رحلات الوالد محمد بن عدي في الحياة

 
كتب
يحيى المعشري
 
يصحو الوالد محمد بن عدي المعشري باكراً وتصحو معه همم رجل الزمان والمكان، يصحو الوالد محمد بن عدي تاركاً أحلامنا الوردية خلف كثبان الحيرة، يقوم صباحاً ومعه أدوات السف والحياكة، يصنع من خلالها ما يشعره بالسعادة ويبعث في نفسه شيء من عبق الماضي، يغزلُ مع كل بسمة عابرة في كل صباح لحظة فرح وصفاء، فبقى غني بالعزة وبقت معه خصال انسان الأمس، وكما عودنا الوالد محمد بن عدي يأبى أن يلطم الوجه حسرة على ما فات، يأبى الوالد محمد بن عدي أن يتسول المال فعاش حياة العطاء والكِفا...ح، فانعتق من قيد السؤال وظل يعمل طوال يومه، بين نهار مشمس ومساءٍ قائض، بين أيام عصيبة وادبار الناس، لم يلهث الوالد محمد بن عدي خلف العطايا والهبات، ولم يسكن خلف دياجير الظلام، بل ظل يعمل ويعمل ساعات طوال بلا كلل أو سأم، ظل يفترش الأرض لا ليسأل الغادي والذاهب، بل أخذ ينسج من عرق جبينه أروع الصنعات، وظلت تلازمه كما تلازم الفراشة الأم يرقاتها الصغار، وظل يعبث بأنامله الطاهرة العفيفة على مسلته فخرج من بينها (السمة والقفير والشت والمخزف والخصف بأنواعها المختلفة، فتراه بعد كل حياكة تخرج جاهزة للعرض يبدو وكأنه ولدَ من جديد، فلا يبرح أن يفرغ من واحدة إلا ويشرع في صنع الأخرى، لم يسقط الوالد محمد بن عدي برصاص الدعة والكسل تحت زبانية الرضوخ والتخاذل، بل ناضل وظل يعزف على أوتار بساطه أروع المنسوجات، يعملُ بجدٍ وإخلاص، يلازم مغزله ومن سعف النخيل يحيك ما يرضيه، يترزق خلاله البيسات ليعيش عيش الكرماء.
 
 
 
 
وعند سؤالي له أين تعرض منتجاتك الوالد محمد.. قال هنا فحسب!هذا السؤال لم يعد ذات السؤال الذي سالته في تلك الفترة.
8 سبتمبر 2016
 
ملوحظة: ما كُتب أعلاه قبل أن يفارق الوالد محمد بن عدي الخليقة ويوارى جثمانه، أعدت وضعها هنا كما هو الحال على بقية المواضيع التي آثرت وضعها في هذه المساحة الإلكترونية، رحم الله من توفاه الله وألهم أهلهم وذويهم الصبر والسلوان.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

حكايات من عينت والشطيفي؛ جولة في تخوم مطرح

من باحة سيدي أبو العباس المرسي إلى بيت ريا وسكينة

بين الشخوص والأمكنة، تجوال في أحياء بلدة بوشر