كالشاعر أختصر القافية في كيمبي سماكي زنجبار

يوميات مسافر إلى زنجبار "أندلس أفريقيا".

يحيى المعشري
✍️
رغم أنَّ أجواء ديسمبر في زنجبار هذا الموسم ارتفعت فيها حِدّة الحرارة وهي على غير العادة كما كان يدلق عليّ "ناصر" وهو من الذين عاشوا في زنجبار بهوية عُمانية؛ فهو لا يزال يرتدي الزي العُماني ويعتمر الكمة تمامًا كما عرفته قبل سنوات أسوة بالكثيرين ولا يخفى عليكم أنني أرى فيه كل شيء يذكرني بالحضور العُماني منذُ عهد السلطان سعيد بن سلطان البوسعيدي سلطان عُمان وزنجبار إلى آخر السلاطين من أحفاده وهو السلطان جمشيد بن عبدالله آخر سلاطين زنجبار من آل سعيد وهو قصة أخرى محيرة تغازل لب الباحثين في التاريخ الذين يهمهم كشف الحقائق ونبش ما يمكن نبشه.
أخذ ناصر يحدثني عن حرارة الجو فيما كانت تشغلني أحداث كثيرة قرأتها في الكتب عن حياة العُمانيين في الشطر الأفريقي بين حياة المجد والازدهار إلى النهاية المأساوية؛ قلتُ لـ "ناصر" لا بأس عليك تبدو الأجواء لطيفة وعلى المستوى الشخصي سأتكيف معها، للعلم قلت له سأغادر في الغد "كيمبي سماكي" لأختار مقر السكن الجديد في المدينة الحجرية "الستون تاون" فاليوم فرصة لاستفتح أول أيامي الزنجبارية بعد ثمانِ سنوات انقطاع ولم أكن أعلم أنني سأزورها مرة أخرى- يا سبحان الله إنّها الأقدار والفرص فانا أتوق إلى أنَّ أكتشف "زنجبار" من جديد؛ لأن الزيارة الأولى لي وكما أسلفت مر عليها وقتٌ طويل.
أفقت من بواكير الصباح متجولًا في قرية "كيمبي سماكي" فرأيتها بسيطة جدًا لكنها مليئة بالحياة التي لا نراها في قرانا في الوقت الحالي؛ أصوات العصافير ونقيق الضفادع ودبيب أقدام الأطفال في الأرجاء ومحال تجارية تعرض الفواكه والخضروات في أسطح من طين ومدارس للقرآن يصدح منها صوت أطفال يتلون كتاب الله وأدعية؛ دخلت بين المزارع فإذا بصبية يقودون الدارجة الهوائية حينما شاهدوني بدأوا يحدقون فيّ بريبة عرفت أنهم تفطنوا أنّي غريب في قريتهم فطلبوا مني تصويرهم كنت سأسألهم أنا لا أسمع أبواق السيارات في قريتكم التي يتسيدها الهدوء فأدركت أنّي لا أجيد الحديث بالسواحيلية وانصرفت.
كانت جولة صباحية لم تتجاوز الساعتين من الوقت لكنها كانت مليئة بالبساطة فلم أستغرب كيف تآلف العُمانيون فيما مضى من وقت مع هذه الحياة التي تغلب عليها الطبيعة الخضراء وأنواع الأشجار مثل أشجار القرنفل وجوز الهند والموز والكاسافا وأشجار أخرى لم أستطع التعرف عليها؛ قلت في سري إنّها قرية فيها من التنوع النباتي الكثير وأنواع من الأشجار المعمرة التي تحتضن المحليين تحت ظلالها وروائح الطين فكنت أتحذر أثناء المشي فالأرض أنعم الله عليها بالمطر وقفت أتأمل أحد الأزقة لأتفرس الطابع المحلي الذي يكتنف هذه القرية وجوها الهادئ مقارنة بالمدن الكبرى؛ أما المأكولات المحلية والتقليدية التي تعكس الثقافة السواحيلية فهي تتوزع بخجل لتلبية الحاجات اليومية والأساسية للقاطنين.
غادرت "كيمبي سماكي" وتركت الصديق "خالد" يقوم ببعض الزيارات الخاصة وكان اتفاقنا مسبقًا أنَّ تكون تحركاتنا مرنة ولا تخضع لمعايير الرسميات؛ فاليوم مبيتي في فندق "ذا آيلاند ستون تاون" في المدينة الحجرية وفق معايير الحجوزات، فيما استقر "خالد" في مكانه في "كيمبي سماكي" ركبت الباص رقم (505) رفقة المحليين ويعرف بالدالا دالا، أمّا المختلف أنَّ الباص أصبح كبيرًا نوعًا ما عن وسيلة النقل التي ركبتها في الزيارة الأولى وتعرف بذات الاسم فالقيت التحية على الجميع فيما صرخت بصوتٍ عالٍ "المچيني" أي أريد الذهاب إلى مركز المدينة فابتسم محصل الأجرة والقائم على تنظيم "الدالا دالا" وطلب مني القعود في الكرسي الخلفي حدقت في وجهه بدهشة متسائلًا كيف لي أنَّ أقعد في الكرسي الخلفي وهو محاط بالنساء؛ كيف لي أنَّ أجلس بينهن وهل يقبلن ذلك حال وافقت؛ لم أستطع التفكير كثيرًا في الأمر بين الزحام فآثرت القبول؛ عرفت لحظتها أنّهم متكيفون ولا يؤمنون بالحواجز بين الجنسين حتى في وسائل النقل العامة وصلت المدينة الحجرية بعد أنَّ قطعت مسافة لا بأس بها مشيًا على الأقدام وكنت أحدث نفسي- يا سبحان الله من الوهلة الأولى تبدو هذه المدينة وهي تضم بين جنباتها كل هذه القطع التاريخية التي فرت من أصلها- ففيها الآثار البرتغالية والأوروبية والهندية والعُمانية وتحف شرقية وصناعات يدوية وفي بهو الفندق الصغير أسرار وحكايات أخرى بين غياهب متاهات الستون تاون.








تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

حكايات من عينت والشطيفي؛ جولة في تخوم مطرح

من باحة سيدي أبو العباس المرسي إلى بيت ريا وسكينة

بين الشخوص والأمكنة، تجوال في أحياء بلدة بوشر