إلى إيران نتصفح أولى الدفاتر

 إلى إيران نتصفح أولى الدفاتر

الفكرة والقرار...

يوميات مسافر إلى إيران

يحيى المعشري

في يومٍ من أيام الشتاء البارد في العاصمة العُمانية مسقط؛ كنّا جالسين في أحد المقاهي في منطقة الخوير؛ وهي منطقة يغلب عليها الجاليات العربية والأجانب؛ بعد أن كانت من المناطق التي يسكنها أبناء جلدتنا فيما مضى فأضحوا قلة قليلة؛ في زاوية غارقة في السكينة في هذا المقهى؛ أخذنا نتبادل أطراف الحديث؛ فإذا بأحد الأصدقاء يسألني عن منطقة شيراز وقد استفتح سؤاله بإحدى التغطيات لي عن زيارتي الأخيرة إلى هذه المدينة الضارب جذورها في عمق التاريخ وهي مركز محافظة فارس فأحلت سؤاله إلى سؤالٍ غير مباشر مستفهمًا حديثي لماذا لا نزورها سويًا ثم نتجه إلى العاصمة طهران فالشمال الإيراني وإن سنحت الظروف نتجه إلى شيراز معرض حديثنا هذا وهي درة تاج الحضارة والتأريخ كما كنتُ أستفتح حديثي عنها في تغطياتي يا صديقي، انطبعت ابتسامة خفيفة على وجهه مجيبًا؛ نعم هكذا كُنتَ تتحدث عنها؛ تبادلنا نظرات سريعة في حين كان المكان يضج بجموعٍ بشرية غالبيتهم ليسوا عُمانيين رَبّت على كتفه متسائلًا؛ أترى هذه الأجواء المحيطة في هذا الشتاء البارد؛ تحسسها جيدًا، ما أجملها؟ قلتُ له- وقد علت على وجهه رغبة جامحة في السفر وتجربة شتاء إيران البارد في فصل الربيع؛ نعم أحاديث السفر جميلة وتبعث الانتشاء في ظل ما يعصف البلدان من أحداثٍ دامية، قلت له لدي بعض المعلومات عن مدينة شيراز وتعرفت خلال زياراتي السابقة على بعض المزارات والأماكن السياحية والأسواق التي قد تنال إعجابك ويخفق لها قلبك، قاطعني قائلًا "سوق وكيل" وقد وكان سوق وكيل أحد أهم أسباب حبه لزيارة مدينة شيراز، فجأة انظم إلى الجلسة بعض الأصدقاء وقد عرضنا عليهم فكرة السفر والوجهة فأتت الموافقة سريعًا بلا تردد ولا تفكير؛ لربما هو لهيب الحماس الذي يعتري البعض في فترة من الفترات لا يبرح أن يخفت بريقه بعد أنَّ تعبث الليالي بالنهارات، ومنذُ تلك اللحظة بدأتُ ومعي أحد الأصدقاء عملية البحث عن الكيفية التي نستطيع خلالها إتمام هذه الرحلة القصيرة والتي حددناها في جلستنا الحوارية تلك؛ وهي عشرة أيام؛ دون اللجوء إلى مساعدة المترجمين أو المرشدين السياحيين وهي خطوة على غير العادة؛ حيثُ اعتاد الناس الراغبين لزيارة إيران التنسيق المسبق؛ إما عن طريق الشركات السياحية أو التواصل المباشر مع أحد المترجمين الذين يجيدون التحدث باللغة العربية، أما أنا فعلى المستوى الشخصي لجأت للطريقتين فيما مضى؛ فكان اقتراحي يصب في عدم اللجوء إلى المترجمين في جولتنا القادمة خاصة أنَّها جولة شبابية وسياحية نهدفُ من خلالها التعرف على إيران أولًا واكتشاف الذات في السفر ثانيًا "لا شيء يطور الذكاء مثل السفر" إميل زولا؛ فالسفر ليس مجرد تنقل بين مكانٍ ومكان ولا رؤية بشر آخرين يختلفون عنا في الثقافة واللغة ولا حقائب تساق بشوق وحرص أو تعلق على الأكتاف كما نعلق أحلامنا وأمانينا في الحياة؛ بل هي رحلة في عمق الذات وتجارب تعلمنا وتنمو فينا؛ تكشف قوتنا وضعفنا؛ نتعرف فيها على تعاملاتنا وطبائعنا حينما نحلق خارج المحيط؛ فكما تعلمون إن العلاقات الإنسانية بداخل الوطن تختلف مليًا عن العلاقات خارجه وهنا يكمن جانب مهم من جوانب العلاقات التي يكتشفها الإنسان خلال السفر خارج المحيط الذي اعتاده؛ كالقصائد النابضة التي نرددها في الغياب.

إذًا جولتنا القادمة هذه المرة إلى الجمهورية الإسلامية الإيرانية ولتكن هي بداية مذكراتي التي أستفتح بها قليل من التفاصيل الكثيرة وهي جزءٌ بسيطٌ جدًا من أحداثٍ كثيرة لا تقبل الخوض في تفاصيلها ولتكن كسرب الطيور وهي تصفق في سماء الخوير للتّو فوقنا بخيلاء دون دليلٍ يُرشدها؛ نعم لنصفق وحدنا في بلاد فارس دون دليلٍ يخفر دروبنا ولنتخير اسمًا لجولتنا هذه وليكن  "رحلة إلى إيران بلا مترجم" ولتكن من هذا المدخل على أنَّ أسرد عليكم قصص وأحداث من زياراتي السابقة إلى مدينة "شيراز" وجلها رحلات هدفها الأول والرئيس العلاج والفحوصات الطبية؛ لذلك تعرف شيراز بالمدينة الطبية؛ على أنَّ أختتم جولاتي منذ القرار الأول لهذه الرحلة، إلى تحركاتي والأصدقاء في مجاهل العاصمة الإيرانية طهران، فمقاطعة مازندران وأريافها ومحافظة كيلان ومدنها المخضبة بالاخضرار، فأصفهان الذي يطلق عليها نصف العالم، ولتكن خاتمة رحلتنا إلى شيراز مركز محافظة فارس؛ محاولًا تتبع أهم الفلسفات الفارسية منذ أنَّ قررت قراءة أحد الكتب المؤجلة في مكتبتي الخاصة للكاتب هوما كاتوزيان وهو كتاب "الفرس، إيران في العصور القديمة والوسطى والحديثة" ترجمة العُماني أحمد حسن المعيني وفي هذه التعريشة أحاول أنَّ أفهم القليل من تاريخ الفرس لأنه بدأ بالإمبراطورية الفارسية القديمة حتى إعادة انتخاب محمود أحمدي نجاد رئيسًا؛ بغية الحصول على أهم المعلومات التي قد تعيننا على فهم طبائع الشخصية الإيرانية في رحلتنا هذه؛ على اعتبار أننا سنكون على تماسٍ مباشر معهم بدءًا من سائقي سيارات الأجرة وانتهاءً بالباعة في الأسواق؛ بغض النظر عن توجهاتهم ومعتقداتهم الدينية والسياسية وبغض النظر عن النهج الذي انتهجه الكاتب في رؤيته النقدية من الداخل كونه إيرانيًا مغتربًا.

لم تكن في حساباتي ألبته الكتابة عن زياراتي للجمهورية الإسلامية الإيرانية لكنني أجدني مجبرًا على توثيق بعضًا منها؛ خاصة عن تجربتي الأخيرة التي فزت فيها بأهم صديقين في السفر وهما؛ ناصر الرحبي وفهد البلوشي والتي صاحبت حدث مهم لم يكن في الحسبان وهو تعرض المروحية التي تقل الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي في طريق العودة إلى مدينة تبريز وتحطمها في غابات "ديزمار" الواقعة في محافظة أذربيجان الشرقية وقد كنا في طريقنا إلى مدينة شيراز الوجهة الأخيرة في هذه الرحلة؛ قادمين من أصفهان بعد زيارة قصيرة استمرت زهاء ثلاثة أيام عشنا الانغماس في معالم تاريخها وصمت الأمنيات في شوارعها وحدائقها.

الصورة من مدينة "دربند" الساحرة في العاصمة طهران














تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

حكايات من عينت والشطيفي؛ جولة في تخوم مطرح

من باحة سيدي أبو العباس المرسي إلى بيت ريا وسكينة

بين الشخوص والأمكنة، تجوال في أحياء بلدة بوشر