كطيف عابر؛ لمحة من نانا إلى أيكون سيام
يوميات مسافر إلى مملكة
تايلاند_ بانكوك
يحيى المعشري
هل هي جولة ضرورية أم لا؟ ففي بانكوك ثمة
العديد من الخيارات التي تصنع يومكَ إن أردت؛ هكذا كان حديثي مع "فهد"
و"العاص" في صالة فندق بغداد الصغيرة في حيّ نانا وذلك قبل قرار زيارة
مجمع "أيكون سيام"؛ قد نخطط لأشياء كثيرة قبل الشروع للسفر ويتضمن ذلك
التخطيط زيارة العديد من المواقع التراثية منها والدينية أو الأسواق والمتنزهات
والحدائق والساحات العامة والبازارات وغيرها من مواقع تشد الزائر لسبر أغوارها؛
تمرُ علينا هذه الخيارات في معرض الرغبات قبل السفر؛ أما حين الوصول ومعايشة
الواقع تبقى تلك الرغبات والمخططات كخصلة شعر منسية في صفحة ماء، قد نعمل بها أو نُرجئها
لأوقاتٍ أخرى تتناسب والظروف.
تفهم الجميع أنّه من المناسب تجربة هذه
الجولة؛ فهي ملمح على هذا المجمع التجاري الجديد والشهير في نفس الوقت وهو مشتق من
كلمتين الأولى "أيكون" وتعني الأيقونة والثانية "سيام" وهي "حضارة
قامت على أرض تايلاند واشتهر ملوكها بكثرة زوجاتهم واصطلاحًا هي التوأم السيامي
والقصة المتداولة أنّها تعود إلى أول حالة سيام طفلين متلاصقين "تاشنج"
و "إنج بنكر" وهما أخوين ولدا في محافظة ساموت سونخرام في القرن التاسع
عشر الميلادي من أصول صينية واشتهروا في الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا بعروض
غريبة استدعت دراسة حالتهم الطبية". استدعيت هذه المعلومات من باب التذكير
بحضارة مملكة تايلاند ولأنها لازالت تتذكر حضارتها في العديد من أنشطتها وفعاليتها
اليومية وتعطي ملامح للزائرين عن هذه الحضارة بطريقة وأسلوب فريد وواقعي تختص به
مملكة تايلاند.
نستذكر قبل أيام قدومنا من "كرابي"
إلى العاصمة التايلاندية بانكوك والأخيرة أي بانكوك هذه تشتهر بلقب مدينة السماء
وهي تختلف كثيرًا عن أجواء كرابي في أشياء عديدة أبرزها التجمعات العربية والجلسات
بين أبناء المنطقة والتي تكفر عن خطايا المدينة على مشجب الضجر، كنت أتحدث معهم؛
أي رفقاء السفر عن زيارتي الفردية لهذا المجمع في مارس قبل عام وهو مقترح من أحد
الأصدقاء وقتئذ وقد وصلتُ إليه مستخدمًا المترو من محطة "نانا" فمحطة
"سيام" وسيام هذه تتعدد فيها الخيارات أولها ممشى "سيام سكوير" وهو واحد من أجمل
المماشي في بانكوك إذا جاز التعبير؛ لما يحويه من خيارات كثيرة ومثيرة واستراحات
تخفف وطأة المشي حينما تسقط أشعة الشمس على شفاه النهار؛ كما أنّها منطقة مطلة على
مجمع "سيام باراجون" و "أم بي كي" وهو الأشهر على الإطلاق؛ فالنزول
إلى محطة "سيلوم" وتوالت تبديلات الخطوط بين صعودٍ ونزول، أما في الخط
الأخير قبيل الوصول وقفتُ على رصيفٍ ومعي جمعٌ بسيط من المحليين وجنسيات مختلفة
لركوب "الترام" ذي السرعة المخفضة وهو يكشف معالم بانكوك من جانب آخر،
فور صعودي "الترام" أمضيتُ وجهتي جلها واقفًا وممسكًا بيدي أحد المقابض
واليد الأخرى استخدمها لحمل حقيبتي وفيها أشيائي وهاتفي النقال إلى المحطة الأخيرة
المتاخمة للمجمع وهي محطة "شارون ناكون"؛ كان ذلكَ سيناريو وصولي لمجمع
"أيكون سيام" عن طريق المترو وكنت أتحدث بهذا السيناريو عند الرفقاء
قائلًا لهم ودون انتظار الإجابة: إن شئتم فثمة خيارات أخرى للتنقل وهي متاحة هنا
في بانكوك؛ فاختار الرفقاء التنقل عن طريق سيارة الأجرة وهذا ما حدث فعلًا. كنتُ
مدركًا في قراراتي الفردية أن أجد انسيابية في تنفيذها وفق مخططاتي أما مع المجموعة
وإن بدى لي عدم معارضتهم فهناكَ عيون تقرأ وهناك مشاعر لحظية أتحسسها فيمن يرافقني
فأحسست أن الوضع في تلك اللحظة مناسب لزيارة المجمع عن طريق السيارة.
في طريقنا السماء بدت غائمة وشمس العصر تختلس النظر من بين البنايات والأجواء رطبة رغم إحاطة المياه ببانكوك من كل الاتجاهات ولهذا الأمر لقبت بانكوك ببندقية الشرق، لم أناظر ساعتي وسائق سيارة الأجرة يطوي الطريق رويدًا رويدا، ها نحن ندنو من مجمع "أيكون سيام" ولا أعلم من أي البوابات دخلنا لكننا حقًا وقفنا نتأمل التصاميم الخارجية والداخلية لهذا المجمع فلاحت لنا المتاجر والمقاهي والمطاعم بطريقة متناغمة ومتسقة مع الزوايا والألوان وبينما أبناء سيام يشقون طريقهم إلى المجمع وجدنا عدد غفير من السياح والمستكشفين أتوا لذات الهدف وفي الداخل ليس المقهى الإطلالة ستار بوكس على نهر تشاو فرايا ما يشدك فحسب ولا الساحات التي تطل على القديس والأبراج الطويلة وهناك تستطيع أنّ تقضي ساعات طويلة دون كللٍ أو ملل؛ شريطة أن تستظل تحت رحمة غيمة تقيك حرارة صيف بانكوك، أما في المساء أنت أمام وجهٌ آخر يتدلى من شرفة أنيقة وراقية؛ في زيارتي الأولى الفردية قبل عام نزلت أتجول في الساحة السفلية فوجدت النوافير تتراقص على ضوءِ المعزوفات التايلاندية التقليدية لتتقاذف الأقدام طربًا وتومض العدسات مسجلة أجمل اللحظات والذكريات لحديث الغروب ومن هذا المكان أخذتُ جولة سياحية في إحدى العبّارات بسعر 30 بات، رفقة عدد من السياح جلهم يختلسون النظر إلى الأمواج ويسترقون السمع للمعزوفات التايلاندية التي أجبرنا على سماعها "القبطان" وكأن الأمواج تسمع ما يدور في أرجاء العبّارة فأخذت تتراقص وتشكل ذيلًا زبدي اللون فاتجه القبطان قاصدًا قرية ريفية لا أعلم عنها عدا أنّها تحوي على عددٍ قليل من المتاجر وكثير من الموروث التايلاندي الذي شاهدته لاحقًا في أسواق "باتونام" و "شاتوشاك" وقد أصحبكم إلى هذه الأسواق في مدوناتي القادمة إن شاءت الظروف؛ يسبقها عجلة أو عين كالنجوم تضيء سماء تشاو فرايا وهي أحد الملامح التي أضفت بعدًا سياحيًا مثيرًا لهذه الجولة وتوجد في مختلف دول العالم كما أنّها تتشابه مع عين باكو في أذربيجان التي زرتها قبل سنتين؛ هذا ليس كل شيء في مجمع "أيكون سيام" ولا يمكن أنَّ تنتهِ القصة عند هذا الحد ولا عند هذه المروية فقد طلبت من "فهد" و "العاص" أن يتركوا لي المجال للنزول عبر الدرج الكهربائي حيث توجد لوحة "سوق سيام" وعند هذا المفترق ودعت الرفاق على أنَّ نلتقي لاحقًا بغية استكشاف هذا السوق الذي يتجسد في الثقافة القديمة لحضارة "سيام" التي قامت على أرض تايلاند فمررت على السوق العائم وهو مستوحى من الأسواق الكثيرة في السابق حيث الزوارق الملونة على القنوات المائية المحملة بالفواكه والخضروات الطازجة وفي غمرة تطوافي ألقيت تحية على امرأة ترتدي قبعة مصنوعة من الخيزران وأخرى تقف منتصبة وخلفها مجسم يتجسد في منزل تقليدي قديم وبينما كنت أتجول يسترعي البعض التقاط صور تذكارية تطبع في ذاكرة أرشيف الزيارات؛ الممرات التي تفضي على المطاعم بدت خشبية وهنا دعوني أتحدث قليلًا عنها، المطاعم هنا تختلف كثيرًا عن المطاعم عندنا في العاصمة العمانية مسقط؛ فالأطباق لا أبالغ إن قلت أنّها تحدث جلبةظن لا تثير الذعر بل على العكس هي كسمفونية تخاطب البطون والذهون؛ فالمكان والزوايا والمداخل والمخارج لا تشعرك بأي شيء غير محتمل ولا تشعرك بأن الساعات هنا طويلة؛ لأنك باختصار تعايش حضارة صغرة وفيها تمارس دور الممثل الذي يعيش اللحظات، وردني اتصال من "العاص" مستفسرًا عن مكاني لم أجبه في بادئ الأمر؛ فقد كنتُ مشغولًا بالتجول والتوثيق ويبدو أنه تلقى إشارة أخرى من الزميل "فهد" ليتأكد من مكان وجودي وهذا ما توقعته؛ في الحقيقة ليست كل الفعاليات تثيرني في تايلاند ويبدو أنها تختلف من ذائقة لذائقة فالزملاء معي في كل شيء عدا الجولة هذه لم ترق لهم وهنا يكمن جوهر الحياة فالاختلاف نعمة وهو دليل على بروز أنماط مختلفة وخيارات متعددة فليس هناك شيء ثابت على الإطلاق في السفر طالما أننا مجموعة.
قبل العودة للرفاق تذكرت الساحة العلوية التي كانت تغص بالسياح في زيارتي الأولى؛ صادفت عرضًا لملكة جمال تايلاند وقد أتوا بها إلى هذه الساحة والتف حولها المذيعين والإعلاميين وربما بعض المشاهير كما حضرت بقية المشاركات من ملكات الجمال وهنْ فاتنات حقًا ولسن من اللائي نشاهدهن في الأسواق والمجمعات والشوارع، في تلك اللحظة أثارني الفضول لتخطي الشريط الذي تمشي عليه ملكة الجمال كما أثار الكثيرين قبل أن يضع أحد أفراد الأمن حاجزًا أمنيًا مانعًا الجميع من العبور؛ هنا تسمع لهجات متعددة كالإنجليزية والفرنسية والهندية ولم أسمع عربيًا بينهم في ذلك المكان وتلك اللحظة على أقل تقدير، اختليت بنفسي في مكانًا قصيا ريثما أدون ملاحظاتي اليومية وأكملت جولتي- طارت الذكريات حين وردتني الاتصالات المتتالية التي أثرت عليّ وأنا أعيش سلوتي وأغرق بين سطور مملكة "سيام" ومطاعمها ومقاهيها وأُناسها وحكاياتها وأحجياتها في هذا الرواق القصي من مجمع "أيكون سيام" فأرجأت تكملة تطوافي في "سوق سيام" لأعواد أدراجي حيث الرفاق وهناك أحاديث أخرى نسجها أبناء الملك راما الأول لمحناها قبل أنَّ نذرع كبائن حجز التذاكر لركوب القوارب التي ستقلنا إلى محطة القطارات؛ قاصدين زيارة مزارٍ آخر كقبلة منزوعة من زحام الحياة قبل العودة إلى النانا".
أنا والعاص في القارب
تقبلو تحياتي
تعليقات
إرسال تعليق
مؤكد تعليقاتكم محل اهتمام