تحت ضوء جزيرة كوه سيري نُفتتن بالسباك تاكرو
يوميات مسافر إلى مملكة تايلاند_ بوكيت
يحيى المعشري
ليست البدايات كل شيء كما يبدو في جولتنا هذه
من منطقة الباتونج إلى مقهى إطلالة ستار بوكس المتكور بين ظلال الأشجار المعمرة
وكأنه شعاع يمتد في الأفق ليلامس الجزر القريبة.
أنهينا جولتنا وقد شارفت أشعة الغروب على الأفول
في حين بدأ الناس ينصرفون إلى وجهاتهم في سياراتٍ خاصة، حُجزت مسبقًا قد تكون
مناسبة للعائلات هذه الحجوزات المجدولة؛ أما نحن فأمامنا موعدًا ضربناه مع رفيق
السفر "فهد" بعد أن تعذّر عن مرافقتنا لسبب ما كما أنني وقبل ذهابنا
ألقيت عليه عبارة قبل أن يدير ظهره ويذهب هو إلى الفندق الجديد الذي قررنا الإقامة
به أيامنا المتبقية في بوكيت بعد مغادرتنا فندق "رويال بردايز بوكيت الذي
أقمنا به ليلة واحدة فقط؛ وذلك من أجل تجربة رؤية الإطلالات على مدينة بوكيت؛
لنترك كل شيء للظروف يا "فهد" ويبدو أنَّ الظروف حقًا قالت كلمتها فقد
آثر "العاص" عدم العودة قبل أنَّ نخوض تجربة أخرى في هذه الجزيرة وهي
جزيرة "كوه سيري" الواقعة شرق مدينة بوكيت؛ نزلنا من المقهى وقد تكشفت لنا
معالم الجزيرة على ضفاف بحر "أندمان" فألقيتُ سؤالًا عابرًا على
"العاص" هل أنت مستعد لنأخذ جولة تجمع بين المشي والهرولة في هذه
الجزيرة المعزولة؛ لكنه باغتني بسؤالٍ هل سبق لكّ زيارة هذه الجزيرة، أجبته
نافيًا؛ لكنها التجربة وهي الشيء المثير في السفر أي كان نوعه وطريقة المرتحل إليه
ولتكن من هذا الرصيف وهو يقع على منحدر قبالة مقهى ستار بوكس الإطلالة مشينا في
البداية فرأينا شابين في مقتبل العمر من أبناء البلد يفترشون الرصيف؛ يتحدثون بصوتٍ
خافت يلائم الهدوء الذي يعم المكان، وبعد برهة من الوقت ونحن نسير بخطى متسارعة
وجدنا رجل وامرأة يبدو من سحنتيهم أنّهم من القارة الأفريقية يدلل على ذلك من
البشرة السمراء القاتمة خرجنا من أحد الفنادق في هذه الجزيرة والغريب أنّ الفناء
الداخلي للفندق خالٍ من السياح، فسارا أمامنا وكانت أياديهم تضغط على هواتفهم
لربما هم على موعد مع سائق يقلهم إلى وجهاتهم واصلنا المضي بين الأشجار الوارفة
والنزل الخشبية والأزقة وميناء بحر أندمان يلتمع مع زرقة السماء؛ لم نلمح كثيرًا
من المحليين يمشون في هذا المكان؛ كان غالبيتهم إما في السيارات أو عربات التك توك
وهو أمرٌ مقلق للمسافر أن يعيش تجربة الشيء وحده وكأنه قصيدة وطنية نابضة لم تخرج
من أوراق كاتبها، وبعد نصف ساعة من السير بين الهرولة والمشي فإذا بأحد الشباب
التايلانديين يقف منتصبًا وأمامه عربة صُنعت من الخشب، يعد الأكلات التايلاندية
وخلفه فتاة عشرينية تركب دراجتها النارية مهمتها توصيل الطلبات وفي الخلف كشك صغير
يدار من قبل ذات العائلة؛ سألتهم عن موقع المدينة القديمة من هذه الجزيرة لم يجب
الشاب ولا الفتاة مستمرين في عملهم وانبرت المرأة في الكشك الخلفي بفضول وكأنها
المتعهدة عن أيِ استفسار يصدر من غريب في هذا الموقع؛ لوحت بكلتا يديها، عليكم أن
تطلبوا سيارة أجرة فالمدينة بعيدة من هنا وفي هذه الجزيرة من النادر الحصول سيارات
أجرة وكأنها تحاول تثبيطنا وبعثرة أوراق تجربتنا التي ارتأيناها، قلت للعاص لا
عليك ولنواصل السير وفي أقل من دقيقة
اعترضنا دوار صغير سلكنا المسار الخاص بالمشي فدانت لنا أضواء في ساحة مكشوفة بها
عدد من المحليين رجالًا ونساءً وإذا بهم يمارسون المرح والرياضة مع لعبتهم الشعبية
"السباك تاكرو" Sepak Takraw وهي لعبة جماعية تمزج بين كرة الطائرة وكرة القدم؛ تنتشر شعبيتها
في دول شرق آسيا، فقلت للعاص سيكون مفيدًا لنا في جولتنا هذه أن نشاركهم اللعب
ونضيف برنامجًا آخرًا في تطوافنا هذا قد يكون أكثر تشويقًا من إطلالات ستار بوكس
تلك رغم الفارق الكبير بين المكانين من حيث الإقبال والحراك البشري ووميض العدسات
وصناعة الترند والدفع بسخاء في الأول وبين هذا المكان المتواضع الخارج من قائمة
الدفوعات المالية. هنا ضوء ورسائل قمرية مفتوحة على السماء وأحراش وكثير من المرح
والدهشة وانخراط بين أفئدة محلية ترتعش النفس معها نشوى وتتدفق الروح بين سحناتها
وهمساتها أغنيات منسية.
لاقينا الترحاب وحفاوة الاستقبال والصراخ
الممزوج بفرح الذي ينم عن عدم الممانعة أن يشاركم من غير أبناء جلدتهم اللّعِب،
بدأنا اللّعِب وبما أننا اعتدنا لعب كرة القدم في ملاعب السلطنة ليس من العسير
علينا مجاراتهم لكن الصعوبة تكمن في صغر حجم الكرة في التحكم بها وركلها بسرعة كما
أنّها صُنعت من لحاء جوز الهند "النارجيل"، ومجوفة من الداخل، لم نكن
نعلم أن تطول فترة اللعب معهم في هذه المساحة ولم أكن حقيقةً أعلم أننا نجد هذا
الترحاب والفسحة في اللّعِب دون تذمر وخارج دائرة الفوز والخسارة سررنا بهذه
المشاركة التي طال مداها إلى أكثر من ساعة ونصف الساعة فأدركنا الوقت والتقطنا بعض
المشاهد المرئية التذكارية التي لا يمكن أن نتجاهلها ونرميها في ملف النسيان
ونسينا أننا على موعدٍ مع رفيقنا "فهد" وهو بانتظارنا في منطقة الباتونج
في حين أننا قررنا زيارة للمدينة القديمة وهي ليست قريبة إن قررنا تجربة المشي
مجددًا؛ كما أنَّ الطريق هذا شحيح من حيث توافر سيارات الأجرة.
تعليقات
إرسال تعليق
مؤكد تعليقاتكم محل اهتمام