في كُشك أمينة برجر؛ بين بوكيت وصور العُمانية درة الساحل الشرقي

 يوميات مسافر إلى مملكة تايلاند- بوكيت

عكفتُ خلال زيارتنا الأخيرة لجزيرة بوكيت على عدم الاهتمام بما يُعرف بصناعة "الترندات" والترفيه أو ركوب موجة الموضة التي تعدّت مداها وعبرت القارات فأثرت على حياة الناس بشكلٍ مباشر وغير مباشر في كثير من مجالات الحياة فحلقت معنا كما يبدو إلى "جزيرة بوكيت" عبر الناقل المحلي التايلاندي "نوك إير" بعد أن مكثنا ليلة في العاصمة التايلاندية بانكوك والتي أتيناها عبر أجنحة "الطيران العُماني" فألقتنا طائرة من طائراتها في مطار "سوفارنابومي" في منطقة "راشا ثيوا" شرق بانكوك، ها هي بوكيت تحكي لنا حكايات صمت الوجوه والنوافذ التي تتحسس أقدام الذاهبين والآيبين ولا يمكنني أنَّ أنأى بآرائي وأفكاري ورغباتي دون العودة لبقية رفقاء السفر، فهد الحسني وكان هو الآخر لا يهتم بهذه الصيحات ولا تعنيه شيئًا؛ فنحن تربطنا مشتركات متقاربة في التفكير؛ ليس لأننا زملاء دراسة فيما مضى؛ فحسب، لكننا اشتركنا في رحلات وسفرات سابقة إلى عديد من جزر ومدن وأرياف تايلاند وهذه الجزيرة على وجه الخصوص؛ أي جزيرة بوكيت؛ كما كانت لنا زيارة سابقة إلى دولة سنغافورة وخضنا تجارب سفر ومغامرات مثيرة اختلفنا قليلًا في جوانب تتدخل في العواطف والرغبات واتفقنا كثيرًا في أخرى؛ فمتعة السفر من وجهة نظري القاصرة لا في الاتفاق الدائم ولا التوافق على كل شيء بل تتعدى ذلك إلى الآراء المتضادة والمختلفة فأنا أؤمن باختلاف الرغبات والأمزجة فأوجه الاختلاف كثيرة؛ منها أماكن الطعام وأماكن الإقامة وجداول ومواعيد التنقلات ونوعية المواصلات المستخدمة في التنقل ونوعية المغامرات وأشياء كثيرة لا يمكنني عدّها ووصفها في هذه التشويقات.

كان ذلك هو رفيقي "فهد الحسني" أما الرفيق الآخر هو ابن أخي "العاص المعشري" وهو الآخر اشترك معنا في هذا السفر في قواسم كثيرة جدًا لكنه وكما يبدو أحد المهتمين بالصيحات وهو على معرفة ومتابعة تامة بالكثير من الأماكن والمواقع التي تصدرت ركب الموضة وصناعة الترفيه "الترندات" في جزيرة بوكيت وبالفعل كانت تجربتها مثيرة جدًا، في يوم مشمس صباحي مكثنا كثير من الوقت في شاطئ الباتونج وكانت كرة القدم رفيقتنا كما أن الكثيرين من الموجودين في الشاطئ يمارسون هواياتهم المفضلة وما زاد المكان جمالًا وإثارةً أن الكل يعيش عالمه الخاص؛ أما نحنُ فـكنّا نحمل معنا كرة قدم، حمراء اللون وحينما خيّم الظلام وطوحت الرياح الاستوائية بالسحب القريبة ذات اليمين وذات الشمال وتمعنا في أجواء شاطئ الباتونج قبيل الغروب وهو يتوشح المناطيد في السماء ويفترش كراسي الاسترخاء في الرمال الناعمة ويتزين بالتزلج الهوائي فوق البحر ودبيب أقدام العارضين للخدمات والسحنات المتوافدة من كل مكان ومن مختلف الجنسيات والأجناس.

أدركنا الوقت فأخذنا أشياءنا إلى الفندق واستحممنا بالماء البارد ورمينا ملابس الرياضة لنرتدي ملابس خفيفة أخرى تليق بأجواء المساء؛ لنعيش تجربة جديدة مسائية في شارع "سوي سنسباي" في منطقة الباتونج؛ هناك حيثُ برجر أمينة؛ وكما أسلفت سابقًا أن هذا الشارع ينشط في المساء ويُعرف بأجوائه الحية والمرحة وتحفه المطاعم والمقاهي العربية والمحلية وأكشاك السياحة والبارات والفنادق ومحال الحلاقة والتزيين والبقالات إلا أنه ليس مقصدًا للنشاطات الترفيهية وعروض الشوارع كما هو الحال في شارع "البنجلا رود" وأعزو ذلك إلى حجمه الصغير وبساطته جدًا من ناحية التخطيط العمراني والحضري؛ فهو رفيق الحياة الليلية؛ فتقبل عليه الأقدام والأجساد بشغف؛ كالنظرة الشغوفة التي يخبئها الأطفال في عيونهم في حدائق الياسمين وعِطر الأعياد الموسمية؛ رغم ضيق الشارع وكثرة حركة السيارات والدراجات وجدت أمينة زاوية عُرفت باسمها في وسط الشارع ويقابلها بقالة "سفن إلفن" وأمينة هذه امرأة تايلاندية قصيرة القامة، ترتدي الحجاب  وجهها كالوجوه التي تشتهر بها مملكة سيام وبعد أنّ فرغنا من أداء صلاتيّ المغرب والعشاء في غرفة الفندق انطلقنا إلى حيث البحث عن برجر أمينة؛ في ذلك الوقت كنّا ننتظر رفيقنا "فهد الحسني"، فقد أتى من مسقط إلى بوكيت في رحلة مباشرة عبر الناقل المحلي "الطيران العُماني؛ بينما قضيت والعاص ليلة حالمة في بانكوك ومن مطار "دون موينج" انطلقنا في اليوم التالي إلى جزيرة بوكيت وهو اليوم الذي يسبق الرفيق "فهد" على أن يلتحق بنا هو بعد ساعات من وصولنا الجزيرة.

لجأ العاص إلى خرائط جوجل لمعرفة مكان كُشك برجر أمينة فبدى أنه قريبًا جدًا فأشارت الخرائط الجغرافية إلى شارع "سوي سنسباي" وما هي إلا دقيقتان ونحن أمام جمع من البشر يصطفون طوابير كالسلالم المتداخلة، قلت للعاص ماذا عسانا أنّ نفعل وسط هذا الزحام_ لم ينبس العاص ببنت شفة؛ لكنه آثر الاصطفاف مع الجمع دون حتى معرفة طلبه وطلبي وكانت السماء في حينها شارفت أنّ تمطر- مرت ساعة ولا زلنا ننتظر طلبنا وفي غمرة الناس جلسنا بالقرب من عائلة إماراتية؛ كبيرهم أخبرني أنّهم منذُ ساعة ونصف الساعة وهم جالسون في هذا الرواق والطاولات تتنقل بين زبائن أمينة حسب الأسبقية- ينتظرون فرج الحصول على طلبهم ليتذوقوا طعم البرجر الذي أقبلوا عليه من أقاصي البلدان ضمن برنامج رحلتهم إلى بوكيت ونحن معهم مسكونين بالحيرة؛ نعلق أوقاتنا المفقودة في ساعات الانتظار بين الأطباق والدخان ومواقد إعداد الطعام- ثمة سيدات أخريات يصحبن أمينة في رحلة العمل والكفاح، لا يرفعن رؤوسهن للوجوه المتعبة ولا الواقفين خلف طوابير الانتظار ولا يعرفن من تلكَ الوجوه القادمة من خلف القارات إلا قوائم الطلبات- تبادلتُ أطراف الحديث مع ربْ الأسرة الإمارتية وهو شاب من الفجيرة أتى إلى "بوكيت" رفقة عائلته الكريمة؛ طال الحديث بيننا وقد مط شفتيه بضع لحظات في صمت قبل أن يقول وبنبرة ارتياح أن لديه أقارب من مدينة صور العُمانية العاصمة الإقليمية لمحافظة جنوب الشرقية؛ كلماته جعلتني أعيد زياراتي إلى ولاية صور وهي درة الساحل الشرقي للسلطنة ومنفذًا رئيسًا للتجارة والإبحار، كما أنّها بوابة عمان الشرقية، قال لي ببهجة تعتلي محياه؛ أرغب بالحديث عن ولاية صور ونسيان أمر الطلب الواقف خلف طوابير الانتظار، أعاد عليّ حديثه عن "صور؛ واستطرد يقول: هذه المدينة الساحلية نزورها في المناسبات والأعياد هكذا بدأ يسترسل بسعادة وحنين، بينما أبناءه كانوا مشغولين بأمينة ورفيقاتها والطوابير وزخات المطر؛ اتسعت عيناه في ارتياح وهو يرى اهتمامي بحديثه وأسهب في الحديث؛ أغتنم فرصة زيارة الأقارب لزيارة عُمان وهناك أقوم بجولات أخرى في مدن وحواضر السلطنة، فقد زرت نزوى ومسقط وبهلاء والقابل والجبل الأخضر وجبل شمس وعديد من الولايات التي لا يحضرني اسمها الآن، مضى الوقت سريعًا في غمرة الحكايات ودعاني لزيارته الفجيرة.

لحظتها همس في أذني "العاص" انظر للذين يجلسون بالقرب من الصيدلية هم زبائن أمينة كذلك؛ تحدث بفرح فأجلت بصري إلى السماء فكان اختلاط الضوء مع زخات المطر الخفيفة ينبئ بدنو سقوط المطر، في تلك اللحظة وصل طلبنا أخيرًا وكان فطيرة لحم ودجاج من الحجم الكبير وطعمه ذا طعم مشابه لعديد من الأكشاك المنتشرة في الأرجاء؛ في ذلك الوقت أدركنا "فهد" قادمًا لِلتًّوِّ من المطار؛ تاركًا حقيبته في بهو فندق "رويال بردايز بوكيت" مسجلًا وصوله للجزيرة واللقاء بيننا بعد انقطاعٍ طويل بيننا وكأن مواعيد لقاءاتنا كالعادة خارج المحيط العُماني، رأى المشهد بالقرب من برجر أمينة فأرجأ طلبه إلى وقتٍ آخر كحكاية هاربة من صدر رواية أو ورقة منسية أتعبتها المشاوير توارى الكثيرين وأقبل آخرون ليغنموا بتسجيل حضور لبرجر أمينة قبل أن يدلق أحدهم وهو ينتصب في طابور الانتظار قائلًا: هل لكِ سر عند الله يا أمينة واستطرد يسرد أحاديث يستدل بها أما نحن أنهينا فصل من فصول أمينة برجر في بوكيت؛ كالصفحة المترعة بالحياة.

الصورة من صفحة أمينة برجر في الفيس بوك 
أنا وفهد الحسني والعاص المعشري بعد أن خرجنا من منطقة برجر أمينة

هنا مدخل فندق رويال بردايز بوكيت



كرة القدم الحمراء التي كانت رفيقتنا من سلطنة عُمان



العاص على ضفاف بحر أندمان في شاطئ الباتونج

فهد الحسني في شاطئ الباتونج 



مدخل سوي سنسباي حيث برجر أمينة بوكيت
فيديو يصور الحركة النشطة أمام برجر أمينة











 

 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

حكايات من عينت والشطيفي؛ جولة في تخوم مطرح

من باحة سيدي أبو العباس المرسي إلى بيت ريا وسكينة

بين الشخوص والأمكنة، تجوال في أحياء بلدة بوشر