هل بتايا مناسبة لحياة التقاعد؟

مذكرات مسافر إلى مملكة تايلاند

 

يحيى المعشري ✍️

الأربعاء ٣١ مايو ٢٠٢٣م

درات في ذهني فكرة مجنونة وهي الكتابة عن تايلاند من زاوية المتقاعدين؛ نعم هكذا بدأت الفكرة عندما همّ "بوكر" وهو ألماني الجنسية بالصعود إلى الباص الذي من المرجح أنَّ يقلنا من مطار "سوفارنابومي" إلى المنطقة السعيدة" بتايا وهذا ما حصل بالضبط؛ بعد أنَّ أنهينا إجراءات الحصول على تذكرة صعود الباص من البوابة رقم (٨) وقبل الخوض في تفاصيل الفكرة دعوني أحدثكم قليلًا عن "المنطقة السعيدة" ولماذا هذا الاسم الذي أُطلق على منطقة بتايا على وجه التحديد من السلطات التايلاندية رغبةً منهم في تبديل الصورة النمطية المعروفة عن هذه المدينة وهي "مدينة الخطيئة" وعاصمة الجنس في العالم ولتحسين الصورة وضعوا تمائم على شكل أسماك مبتسمة؛ كما عزفت فرقة من الشرطة موسيقى الروك في أنحاء المدينة” وعلى ضوء هذه التحديات التي ترفد اقتصاد البلاد بالمال أقف في ذهول وفي وجهي "بوكر" وأنا أتأمل مدينة "بانكوك" ونحن ننطلق إلى المدينة السعيدة التي فضّلها "بوكر" عن غيرها من مناطق دول العالم الشهيرة ومن أهم الدول التي كانت ضمن خياراته الفلبين؛ لكنه فكر مليًا بعد أنَّ أقام بها سنة وشهرين أنّها لا تناسبه للإقامة بعد التقاعد وبدأ يذرع بتايا بل ويقيم بها وهو الآن في عامه الخامس بعد التقاعد وأخذ يحدثني عن حياة ألمانيا الرتيبة والكئيبة وأنّهم هناك يعملون ويعملون ويعملون فقط؛ حرّك رقبته قليلًا واستدار وبحشرجة ممزوجة بلوعة الفراق؛ لكنه أردف قائلًا أنا هنا أعيش حياتي بحرية والبلد هذه رخيصة جدًا قياسًا بما نملك من مدخرات مالية والناس هنا متسامحون ومتصالحون ولا يتدخلون في شؤوني طالما ثمة احترام متبادل بين الأطراف؛ لديّ ابنة تدرس في بانكوك وزوجتي تقيم في بتايا ولها حياتها الخاصة؛ كما أن لي حياتي الخاصة هنا؛ وهنا فغرت فاهي مستغربًا ما هي حياته الخاصة وما هي حياة زوجته الخاصة؛ لم نكمل الحديث في هذا الجانب ولم أشأ الخوص في شؤونه قبل أنَّ يطلب منا "كمسري" الباص النزول؛ لقد وصلنا إلى المنطقة السعيدة وهذا الاسم الذي أفضّله كثيرًا عن الأسماء التي تطلق على بتايا من البعض؛ نعم سعيدة لأن من يأتيها من المتقاعدين ومن المسافرين السياح يبدون سعداء كثيرًا  بل ويعودون إليها مرارًا وتكرارًا؛ وهذا يتبدى من خلال الإقامة الطويلة بها دون ملل يذكر أو كلل وهنا أتحدث عن البعض وليس الكل بطبيعة الحال؛ لقد تعرّفت على العديد من أبناء جلدتي في رحلتي الأخيرة التي استمرت أسبوعين بعد انقطاع دام زهاء سبع سنوات تقريبًا؛ وهم يفضلون بتايا على غيرها من جزر تايلاند على الرغم من زياراتهم الخاطفة لبعض الجزر وفيها يتم تسجيل حضور لا أكثر؛ بينما الإقامة الدائمة والطويلة إذا جاز التعبير في بتايا ومن الجزئيات التي عرفتها من أحد المقيمين وهو من مملكة البحرين كان يخبرني أنه مقيم في أحد أرياف بتايا؛ حيث الهدوء يعم المكان؛ فهناك يشتم رائحة الأشجار وهناك ينعم بالتعرف على ثقافة الريف والريفيين من المحليين سكان البلد ويأتي هنا بين الفينة والأخرى من باب التغيير لا أكثر؛ يقول أنه متقاعد من جهة عسكرية ويأتي هنا بالتحديد في بتايا؛ لأنها تشعره بالسعادة ويستطيع ممارسة الأنشطة الحياتية التي لا يستطيع ممارستها في بلده وكأنه يشير إلى بلدان الخليج على وجه الخصوص؛ كنّا نجلس بجوار أحد الأكشاك الذي يعد الفطائر الشهية والعصائر الطازجة في مثلث مارين؛ نرقب دبيب الأقدام والحراك البشري والقوافل من العرب الذين يأتون إلى هذا المثلث؛ أي مثلث العرب، هكذا تبدو بتايا نعم؛ ليس من قبيل الحديث الخاطف مع "بوكر" أو المقيم من مملكة البحرين؛ لكنّها الحقيقة التي بدت جلية مثل أشعة الشمس في رابعة النهار؛ ففي الأسفار يبحث الإنسان عن راحة البال والطمأنينة النفسية والسعادة والهناء؛ إضافة إلى التعرف على حياة الشعوب؛ وطالما يجدها المرتحل في هذه البقعة من الأرض ما يريد؛ ما المانع من البقاء بها والمواءمة بين الوطن والبلد التي يشد إليها الرحال.

إلى عشاق مملكة تايلاند كانت هذه شذرات عابرة ليست من بنات أفكاري وإنما مشاهدات ومعايشات تمر عليّ خواطر فضّلت أنَّ أسردها بينكم وقائع وأحداث في السفر.

 


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

حكايات من عينت والشطيفي؛ جولة في تخوم مطرح

من باحة سيدي أبو العباس المرسي إلى بيت ريا وسكينة

بين الشخوص والأمكنة، تجوال في أحياء بلدة بوشر