شخصيات من ذاكرة فريق المنتصر الرياضي الثقافي بولاية بوشر
شخصيات من ذاكرة فريق المنتصر الرياضي الثقافي بولاية بوشر
لا يبقى في الذاكرة سوى ما نريد نسيانه" فيودور دوستويفسكي
قبل أن أطرق أبواب الذاكرة لشخصيات جميلة لم تمر مرور الكرام في حياتنا فحسب ولم تكن مجرد حروف نخطها في السطور وفي الدفاتر المنسية؛ ولا بعثرات من هنا وهناك؛ ولا مجرد حلم يصحو عند هجران النعاس؛ إنّها شخصيات مطرزة بسوسن الحزن والوجد وحنوط الفراق؛ لقد بدأها أبا حسن الأخ العزيز جمعة بن مسلم السعدي رئيس فريق المنتصر الرياضي الحالي ولاعبه المميز وعلامته الفارقة سابقًا؛ حينما همس في أذني كلمات لم تتجاوز الدقيقة في لقاءٍ عابر بملعب نادي بوشر الرياضي بمناسبة بطولة قدامى لاعبي بوشر في ليالٍ رمضانية نورانية؛ لقد كان حديثًا محملًا بالكثير من المعاني لا يمكن اختزاله في كلمات؛ حديثًا حملني أمانة الكتابة؛ لقد كان من السهل عليّ الكتابة عن شخصيات تعيش بيننا الحياة، نلعب ونلهو ونسافر ونختلف؛ نتحاور ونتناقش ونطير كأسراب الطيور في الأرجاء؛ لكن من الصعب ومن الصعب جدًا البوح عن ذاكرة من رحلوا عن حياتنا لكنها الكتابة ذلك الصوت الداخلي الذي أراده الأخ جمعة السعدي ليُعبّر به عن مكنونات مشاعره؛ صوت انهمار الدموع؛ صوت البكاء عن من رحلوا عن ذاكرة فريق المنتصر الرياضي حضورًا وجسدًا؛ لكنّها الأرواح التي نخاطبها فهي زهرة البقاء التي لا تأفل ولن يختفي بريقها؛ لقد كانوا سطورًا مضيئة لا يمكن نسيانها.
كان ذلك وهم يتهيئون ليضيئوا ليالي رمضان وذلك يوم الجمعة ١٤ رمضان ١٤٤٤هجري بألسنة تلهج بالدعاء عن من رحلوا عن عالمنا من أبناء الفريق.
سعيد بن علي بن سويد البوسعيدي "تيتشر" المصاب الجلل
لم أعرف الأستاذ سعيد البوسعيدي إلا أحد أعمدة فريق المنتصر الرياضي وهو من أوائل من خطّوا اللبنات الأولى في الفريق ومدرسًا في فصول المدارس وعلى مقاعد العلم؛ وحينما كنّا في مدرسة بوشر الابتدائية كان الأستاذ سعيد البوسعيدي "أبا مهند" والملقب بـ "تيتشر" أحد الذين ارتبطت بهم ذاكرة الأيام؛ فلم يكن في ولاية بوشر في تلك المرحلة عدا عدد بسيط من المدرسين العُمانيين والذين يُعدوا على أصابع اليد ومن ضمنهم الأستاذ سعيد البوسعيدي "تيتشر" وفي ذلك الوقت لم يكن الأستاذ سعيد مجرد مدرس في المدرسة كما هو الآن في وقتنا الحالي فقد كان استاذَا ومربيًا وصديقًا لابن عمي ناصر المعشري؛ على ذلكَ كان الارتباط بشخصية الأستاذ سعيد البوسعيدي على المستوى الشخصي ارتباط عميق ويعد في تلك الفترة النموذج الذي لا يمكن أنّ تخطئه ذاكرة في من تتلمذوا على يديه فهو شخصية تتسم بالجدية في سبيل العلم حتى مع أقرب المقربين ومن الذكريات الجميلة التي كنّا نعايشها في تلك الفترة عوضًا عن التدريس والمدارس فقد كان الأستاذ سعيد وكأي الشباب يخطو بخطوات المدرس المربي إلى حيّ قلهات للاستحمام من حوض لجل الشم مشمرًا عن ساعد الجد ليتهيأ لبدء يوم جديد من أيام الدراسة وقد كان يأتي إلى قلهات من بواكير الصباح فيسقط عليها كما تسقط أشعة الشمس على شفاه النهار، وعلى مروج المسافات التي يقطعها من منزلهم الكائن في بوشر بني عمران بين السكيك والحواري والضفائر المعلقة على طفال جدران الطين؛ كنّا ننظر له على أنه شخصية من الشخصيات العظيمة وهكذا هو كان ولازال؛ ففي ذلك الوقت من النادر أنّ تجد من يتحدث اللغة الإنجليزية فكيف أن تجد من يدرس هذه اللغة؛ وارتبط اسم الأستاذ سعيد باسم الأستاذ سالم والآخر كذلك هو مدرس للغة الإنجليزية وما عداهم من مدرسين كانوا من جنسيات عربية أخرى ومن المفارقات الجميلة في تلك الفترة أنّ تجد المدرسة أشبه بالمنزل فقد كانت والدة الأستاذ سعيد تعمل في ذات المدرسة فيهفو إليها مقبلًا رأسها طالبًا منها أن ترشده كالطفل الذي يشاكس النهارات، وفي المساءات حينما تُقبل علينا العصيرة يأتي الأستاذ سعيد إلى ملعب المنتصر مقر نادي بوشر الحالي كأحد الرؤساء الذين مروا على رئاسة الفريق؛ فلكم أنّ تتخيلوا كيف تكون المسؤوليات العظيمة وإن كانت غير مُدركة عند البعض لكنها كانت بصمة سامية تُسجل في سطور تاريخ وأرشيف الأستاذ سعيد فقد كان لا زال في ريعان الشباب كما كان حارسًا لمرمى فريق المنتصر مدافعًا عن عرينه لسنواتٍ طويلة، ولا زالت عالقة في ذاكرتي ذلك القميص الرياضي الأنيق الذي يرتديه فهو أشبه بقمصان لاعبي الساحرة المستديرة العالميين وفي صبيحة الجمعة السابع والعشرين من رمضان ١٤٤٣ وفي الجمعة الأخيرة من الشهر الفضيل ضجّت هواتفنا بنبأ أن الأستاذ سعيد في ذمة الله فقد كان لرحيله أثر عظيم وحزن دفين وعميق في قلوب المقربين والأصدقاء؛ فكم من أقلام بكت وحشة الوداع وحنوط الفراق؛ لقد رحل الأستاذ سعيد البوسعيدي بصمت دون أن يودعنا والعالم يمور تحت رحمة جائحة كورونا؛ لقد رحل الأستاذ سعيد البوسعيدي الكريم السخي صاحب الابتسامة الجميلة المتصالح مع نفسه ومن حوله ولكن لا اعتراض على قضاء الله وعلى مشيئته لقد فاضت روحه إلى بارئها بعد انّ ترك فينا أثرًا عظيمًا حينما تجمعنا الصدف نستذكر ارتباط الشخوص بذاكرة الأيام وقد كان هو أحد الروابط التي بقت وتبقى عالقة إلى أبد الآبدين.
غريب بن مبروك البوسعيدي من رابية صاد إلى ملعب المنتصر
هل تذكرون غريب مبروك ذلك المدافع الصخرة الذي كان يُحسب له ألف حساب داخل المستطيل؛ هل تذكرون غريب مبروك اللاعب الصلب داخل أرضية الملعب والإنسان المحب والأصيل الذي خرج من قرية صاد تلك الرابية الوادعة بين تخوم الجبال والبساتين؛ كان غريب مبروك شخصية ذات بنية جسدية قوية تعرفه الأوساط الرياضية في ولاية بوشر؛ يحسب له ألف حساب ويهابه أشرش المهاجمين وقد سطع نجمه في نهاية الثمانينات ومع مطلع تسعينات القرن المنصرم ولا يمكن أنّ تأتي ذكرى في ذاكرة من رحلوا عن دنيانا في فريق المنتصر الرياضي إلا وكان غريب يتصدر المشهد؛ فقد كانت بدايته صغيرًا جدًا في القرية التي يقطنُ بها وهي قرية صاد ذلكَ المشهد الجميل من مشاهد بلدة بوشر وهناك خط هذا الشاب أبجديات حياته وقد كان كثير التردد على بوشر بني عمران؛ فهناك الأصدقاء والأحباب ومن ضمن الأصدقاء المقربين لغريب والمعروفين بشكل لافت في بلدة بوشر أبا فيصل "جمعة بن عبيد التمتمي "ربّ أخٍ لك لم تلده أمك" وفي الملاعب الرياضية يتحين غريب الفرص فيحمل حذاءه وقميصه حبوًا على الأقدام كان يجري إلى ملعب فريق المنتصر والواقع مكان مقر نادي بوشر الحالي وكان من ضمن الأوائل الذين يتكئون على الدرج المفضي للشارع؛ وهل يمكننا نسيان ذلك الدرج؛ يقصون الحكايات الجميلة بروح الصبا وكان غريب كالعادة من الذين يتصدرون المشهد بفكاهته المعتادة وروحه السمحة وطيبة قلبه التي يعرفها القاصي والداني؛ وحينما انتقل مقر ملعب فريق المنتصر إلى حلة السوق المتاخمة لمنزل أبا أسامة "خليفة بن خلفان الحبسي خط غريب بصماته هناك بين التمارين اليومية وبين البطولات الرمضانية التي كانت لها نكهة خاصة في تلك الأيام، أما على الصعيد الشخصي تعرفتُ على غريب عن قرب عندما كان يأتي إلى منزلنا في حيّ قلهات رفقة أخي الأكبر "أحمد"؛ حيث التجمعات التي شكلت ذاكرة المكان في ذلك الوقت وحينما يأتي غريب بطلته تتبدل الحكايات والقصص فنبدأ نصيخ السمع لحكاياته بين بوشر البلاد ومقر إقامته في صلالة في محافظة ظفار حيث قضى أغلب تفاصيل حياته هناك بين العمل في السلك العسكري وحياته الأسرية ولا يمكن اختزال شخصية غريب الإنسان في سطور لكنها مشاهد جميلة ننشط بها ذاكرتنا وإن كانت مؤطرة بالألم والحزن على الفراق؛ لقد رحل غريب عن دنيانا ذات يوم في مشهدٍ مفجع ومفاجئ؛ قد يمر علينا خبر عابر في زحمة الأحداث وتشابكاتها لكنه لا يمكن أنّ يُنسينا شخصية غريب مبروك الذي عرفناها بالقوة والجلد والذكاء الفطري وهو يمطر علينا العبارات المتتالية باللغة الإنجليزية التي يتقنها بتمرس. رحم الله غريب مبروك وأسكنه الله فسيح الجنان.
رحل الأستاذ حافظ السعدي ونسي أن يحمل الطباشير"
لن يمر علينا ذكر الأستاذ حافظ السعدي دون أن نعود إلى أولى مراحل طفولته وشقاوات الصبا؛ حينما كنّا على مقاعد الدراسة؛ نستذكر تنقلاتنا اليومية بين مزارع بوشر وبساتينها؛ متتبعين حافلة الدراسة بين المنزل والمسافات التي نطويها، هناك الكثير والكثير لُيكتب عن حافظ السعدي وقد بدأنا معًا ركل كرة القدم في ملعب المنتصر وحينما وصلني خبر إرادة الخالق في الخليقة كتبت عن حافظ الإنسان والرياضي والمدرس تأبينة وداعع بعنوان "رحل حافظ السعدي ونسي أن يحمل الطباشير" مستفتحًا " كل المدارس تودّع مُعلميها في لحظات الرحيل إلا مدرسة خريّس الحبوس لم تلحق على توديع الأستاذ حافظ؛ فقد سرقت الإجازة أفضل الأوقات التي أحبها، وقد أخذت أجمل اللحظات التي تُدخل في نفسه البهجة والسرور وفور أنّ فرغت من أداء صلاة الجمعة كنت أعمد على تصفح هاتفي لرؤية المصبحين والمهنئين لهذا اليوم المبارك، وفي هذه المناسبة الغرّاء "الإسراء والمعراج" وفي هذه الجمعة كانت أول رسالة يستقبلها هاتفي مصحوبة بروح المحبة والإخاء وكانت الدعوات تنسل من هاتفه؛ أي حافظ السعدي؛ لتلامس نبضات القلب وتتحسس مكامن المودة وصدق المشاعر، فما يخرج من القلب لا يستقر سوى في القلب وما يخرج من الأرواح الصادقة لا يستقرُ إلا فيها، فقد عمد الأستاذ حافظ طيلة شغله مهنة الأنبياء على تلقين النشء مهارات لغة الضاد؛ فترسخت فيهم وبهم؛ فالمعلمون قرائن الأنبياء وندائم الأتقياء، فبالمعلم ترقى الشعوب وتستنير عقولهم ودروبهم، وترتفع راياتهم وتسمق بهم لتعانق قمم الجبال، وفي ملعب "القطوية" في حيّ قلهات وملعب العابية خلف منزلهم ببني عمران قبالة "مزرعة المربع" خط الأستاذ حافظ أجمل تفاصيل صباه وكان لحظتها لم يكن يعلم بأن الطباشير ستكون رفيقة المشاوير في فصول العلم ومنارات المعرفة، وعندما شبّ وقوي عوده أيقن أنّ مراتب العلم تحتاج إلى تضحيات ومثابرة وجلد وإخلاص؛ فما كان منه إلا أنّ استكمل تعليمه في أيقونة الخليج دولة الكويت الشقيقة، فهناكَ تتلمذ ونهلَ من معين العلم وداعبت أنامله صفحات الكتب، وهناك بدأ يتتبع لغة الضاد فأيقن أن رسالة التعليم تحتاج إلى مشقة وعناء، لم يكن بُعدَهُ عن الوطن هي الغربة فالغربة بالنسبة للأستاذ حافظ بعده عن الأهل ووداع الأصحاب.
وقد عاد بعد سنوات الأستاذ حافظ السعدي محملًا برسائل العلم وترك كشكول المذاكرة وخربشات سهر الليالي في السالمية والجهراء والصالحية وجامعات الكويت التي شكلت لحافظ ذاكرة دفيئة يشعله إليها الحنين؛ عاد الأستاذ حافظ وعلى عاتقه وضعت عُمان وباني عُمان السلطان قابوس أنه يحمل أهم وأعظم الرسائل التي نُبنى بها الأوطان.
وعندما عانقتُ صدور إخوته سالم وجمعة وعامر وموسى ويوسف ومن له صلة قرابة به من الأرحام في جامع الخليلي ببوشر مكان التأبين والعزاء أحسست برعشة تسري في عروقي وتنمل في أطراف أصابعي؛ لكنها الأقدار والتسليم بأمر الله ولا راد لقضاء الله، تلكَ الأيادي التي صافحتها في جامع الخليلي هي ذاتها التي أهالت التراب على قبر الحبيب حافظ عندما أسلم روحه إلى بارئها، ورتلت الشفاه الدعوات بحشرجة مصحوبة بالوجع والأنّات، قد نطوي صفحات الكتب التي مخر حافظ عبابها وقد يمر علينا حافظ في ذاكرة المنتصر رسائل وجد وفراق؛ فقد شكل حافظ في فريق المنتصر ركيزة مهمة لاعبًا كان أم إداريًا وخلّد وجوده في أرشيف الفريق كأحد الأسماء اللامعة والبارزة، وقد نمر مرور الكرام على مخطوطاته في سبورة مدرسة خريّس الحبوس لكن من ذا الذي يطفئ شموع المعرفة التي أوقدها في صدور طلبته ومحبيه، فقد استشعر طلبته وأصدقائه المعلمين حجم الوجع والألم على فراقه وهم يخطّون معاملاته السمحة في صفحاتهم الخاصة؛ ساردين ذكرياته الطيبة ومناقبه الحسنة التي أعلت شأنه وأبقت مكانته في نفوسهم إلى أبد الآبدين؛ رحم الله أخي وعزيزي الأستاذ حافظ السعدي رفيق الحياة في ذاكرة بوشر وفريق المنتصر وأسكنه فسيح جناته.
الأحد ١٥ أبريل ٢٠١٨م.
حمد بن مسعود الجابري زهرة شباب المنتصر الذي بكته بوشر
لقد كان من الصعب عليّ أن أستعيد ذاكرة أخي وعزيزي حمد الجابري وأنا أُحمل مسؤولية كتابة بعض الذكريات عن من رحلوا من شخصيات مرتبطة بذاكرة فريق المنتصر وكم هو ثقيل وموجع وأليم أنّ أسرد قليل من عظيم خصال وصنيع الشاب الراحل حمد بن مسعود الجابري الذي كان أخ الجميع ورفيق الجميع وحبيب الجميع؛ فقد كان "حمد الجابري أحد الشباب الحالمين الذين يحملون حلم أنّ تكون لهم بصمة في الحياة والمجتمع، منذ أنّ بدأ يذرع مقاعد الدراسة في صباه يشق طريقه من الصباح الباكر بشوقٍ ولهفة إلى مقاعد الدراسة وبين الفصول والفصول تهرول أقدامه كأي الأطفال المتوهجين بالدهشة وفي المساء كنّا نلتقي إما في ملعب رابية الظاهر عند منزلهم أو ملعب القطوية في قلهات وقد كان حمد الجابري أحد حراس المرمى المعجبين بأفضل حراس الساحرة المستديرة في ذلك الوقت وقد كان شغوفًا على متابعة ومعرفة أهم جزئيات الحراسة وبين الحلم الذي رواده صغيرًا وبين الميادين أدرك حمد الجابري أنّ هنالك مسؤوليات كثيرة وكبيرة عليه أن ينجزها؛ فشرع على مخاطبة عقله وروحه بأن الحياة قصيرة وأن الأعمار ليست ملكنا؛ فبدأ يُقبل على الأعمال التطوعية والخيرية ولا يمكن أنّ أمر في سطور الذاكرة دون الالتفات لتلك المشاركات الجليلة والعظيمة التي كان يقوم بها أخي حمد الجابري ولا الأعمال الخيرية التي كانت تتداول بين الأنام ولا الأنشطة التي تخدم الصغار والكبار؛ فقد كان في طليعة المشاركين والمنظمين؛ هل سمعتم يومًا عن الذين يعملون بعيدًا عن الضوء وهل قرأتم يومًا عن الذين إذا أنفقوا بيمناهم فأخفوا ما يُنفقون عن شمالهم؛ الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله فقد كان حمد الجابري منهم بل سيدهم وأميرهم وهو أحد أبواب العمل التطوعي في بلدة بوشر ومن القصص التي قيلت لي عن حمد الجابري أنه وفي أثناء مباشرته عمله في مجال فواتير الكهرباء وصل إلى بيت عجوز مسنة وهي من سكان أحد الأحياء القريبة وقد قُطعت عنها خدمة الكهرباء أو الماء ووصلت الفاتورة إلى مبلغ معين وقد تعهد هو بتسديد فواتير تلك المرأة المسنة وتحمل مصاريفها دون أن تعلم هي؛ بل تعدى ذلك لزيارتها المتكررة والاطمئنان عليها وهذا قليل من قليل في شخصية حمد مسعود الجابري وحينما علمت هي بنبأ وفاته حزنت حزنًا شديدًا وفاضت دموعها وكأنها تقول لماذا يرحل الطيبون؛ لماذا نفقد الصادقون الملهمون، وهنا أستشعر حجم الألم والوجع الذي صاحب خبر رحيله عن عالمنا وأعيد المحادثات والرسائل المتكررة بيننا حينما كان يطلب مني وبحماس أن أترشح لعضوية المجلس البلدي عن ولاية بوشر وقد كان يعيد عليّ الطلب تواضعًا منه ونبلًا أنني جدير بحمل المسؤولية وقد كنت أبادله المودة والصفاء وأبتسم في وجهه ابتسامة لا يعلمها عداه؛ وكلما أعود إلى دفتري وهاتفي وسجلاتي أعاود إغلاقها بهدوء حتى لا يتكرر ذلك الشوق وأنا أقرأ تفاصيل وجهه على صفحات الحياة في ملاعب القطوية ورابية الظاهر والمنتصر وعند أبناء عمته في حيّ قلهات؛ لقد رحل حمد الجابري شابًا معطرًا بأكاليل الشتاء البارد يرفرف في زوايا بوشر يتسلل خفية بين وريقات القلب والوجدان، رحمة الله عليك أيها الشاب اللطيف أنتَ حيًا في قلوبنا وقلوب المحبين فأذكروه بدعوة صادقة في هذه الأيام المباركة من العشر الأواخر.
لقد مرَ فريق المنتصر الرياضي كأي كيان رياضي بالكثير من التحديات والصعوبات منذ بداية الصفحة الأولى في عام ١٩٧٤م؛ حتى وصل إلى رسم العنوان الحقيقي له في خارطة ولاية بوشر على المستوى الرياضي والاجتماعي والثقافي؛ فالخارطة تلك لم تأتِ من فراغ ولم تتشكل وفق أزمنة جغرافية فحسب؛ بل كان يقف خلفها شخصيات رسمت ملامح الفريق إلى أنّ وصل إلى هذه المرحلة من الإنجازات والانتصارات والتي لا تخفى على المتابع؛ منهم من رحلوا عن دنينا ومنهم من أوهنهم الدهر ومنهم من لا زالوا يحملون على دفتهم ثقل الأمانة؛ فكم من بطولات سطرها أرشيفه الخاص؛ سواء على مستوى بطولات الولاية أو على مستوى البطولات والمشاركات الخارجية وهي الأخرى وإن خرجت من سجلات البطولات الداخلية في الولاية تبقى رهينة سجلات الفريق على المستوى الداخلي أو أشياء من الذاكرة الجمعية لدى منتسبيه.
تلكَ كانت شخصيات لا تطويها الذاكرة وهناك الكثير من الشخصيات التي سقطت من ذاكرتي أتحمل سقوطها فإن أخطأت فمن نفسي والشيطان وإن أصبت فمن الله ورسوله.
وفي الختام فريق المنتصر هو ملمح رياضي ثقافي اجتماعي بلا مدى ولا نهاية... شكرا جزيلا على اللفتة الكريمة بالدعاء لمن كانت لهم بصمة في الفريق.
الأربعاء ( ٢١ رمضان ١٤٤٤هـ، ١٢ أبريل ٢٠٢٣).
تعليقات
إرسال تعليق
مؤكد تعليقاتكم محل اهتمام