تذكرة سفر مفقودة؛ أعادت بريقها تايلاند!
تذكرة سفر مفقودة؛ أعادت بريقها تايلاند!
أوراق مسافر مؤجلة
لم أكن أعلم أن الحكايات ستكرر في أرض
الابتسامة في زيارات متلاحقة؛ تتتابع فيها الأهداف وتُختلف فيها الظروف؛ ففي عام 2006
حينما قررتُ السفر لأول مرة في حياتي وكانت إلى مملكة تايلاند وهي المرة الأولى
التي أركب فيها طائرة رفقة أحد الزملاء، لم أغلق عينيّ على الملف الذي تنعت به
مملكة تايلاند وهي واحدة من أهم دول الضياع؛ حالي حال الكثيرين في هذا العصر
المغرمين بهذا البلد وإن لم يروها أو عرفوها من خلال تناقل أخبارها من الذين
سبقوهم لزيارة هذا البلد والمعروف بأرض الابتسامة وتلفظ سابقًا باسم سيام وفي
السابق كان الناس يتجهون فرادًا وجماعات إلى الهند لذات الأسباب التي دعت الناس
يتهافتون إليها وقتئذ؛ إنها المرحلة التي تشكلت فيها مدن الضياع أو الخطايا في
دولة وقد قلتُ في نفسي هل الضياع والخطايا تسكن الدول؛ حيث تكثر فيها المغريات أم
تسكنُ ذواتنا ونزواتنا؛ فكبح جماح كل شيء يبدأ من النفس، نعم؛ من شرفة المتطلبات
وتايلاند تلكَ الدولة التي تقع في جنوب شرق آسيا في شبه الجزيرة الهندية الصينية
تفردت عن بقية الدول المجاورة فأضحت الأولى سياحيًا التي يعرج إليها الناس سنويًا
وقد امتد بالبعض أن يتردد عليها في العام الواحد أكثر من مرة؛ ففي تايلند عرفت
الحكومة تجويد السياحة بالطريقة التي يفضلها الناس من كافة أرجاء العالم؛ ففيها
السياحة العامة والسياحة الطبية وسياحة الطب البديل والمساج العادي والعلاجي وفق
جلسات مُجدولة وفيها سياحة الترفيه والاسترخاء وعديد من المحفزات التي تُرغب
السائح لزيارة هذه الدولة؛ فهي البلد التي تتصالح مع الكبار والصغار بمختلف
الأجناس؛ وتعددت أساليب السياحة في تايلند فأصبحت الأولى سياحيًا بحسب تقييم
المجلات المختصة في السياحة وبحسب رأي خبراء السياحة- حزمت قراراتي وقدمت ورقة
إجازتي السنوية للمدير في جهة عملي واتجهتُ صباحًا إلى وكالة من وكالات السفر السياحة
في منطقة روي في محافظة مسقط ووقع بصري من أول وهلة لمكتب سفريات الشنفري وبعد أخذ
ورد ومحاولة لأخذ أنسب الأسعار بتغيير تواريخ الرحلة استلمت تذكرتي ورقيًا وقد حذرتني موظفة المكتب
العُمانية أن أحافظ على التذكرة من الضياع؛ لأن الربط الالكتروني في ذلك الوقت لم
يكن موجودًا وفي خضم المسؤوليات وفرحة السفر لأول مرة لم أكن أتخيل أن أركب الطائرة
ونحلق معًا في السماء وأطالع تفاصيل مسقط من الأعلى ونرسم معًا حلمًا طال انتظاره؛
وفي صيف حار في مسقط وهو اليوم الذي كان عليّ أن أعد حقيبة سفري وأجهز ملابسي وكل
ما قد أحتاجه في رحلتي الأولى وهي أسبوعين؛ فقد تبقت خمس ساعات عن موعد السفر،
تفحصت جيبي وحقيبتي باحثًا عن تذكرتي وهاتفت زميل السفر مستفسرًا عن التذكرة ما
إذا كانت عنده أم لا- وكان رده نافيًا وجودها عنده؛ حينها امتقع وجهي واكفهر ودخل
القلل أساريري وعشت لحظات سيئة للغاية؛ أنا الذي دخلت عالم السفر من أول لحظة قدّمتُ
فيها ورقة إجازتي لمدير التوظيف في جهة عملي وعندما أومأ لي أن التذكرة ليست معه
تأكدت من جدية حديثه ونصائح البحث التي ألقاها عليّ مُحددًا عدة أماكن فقدانها
وعندما فقدنا الأمل في الحصول عليها وقد ضاق علينا الوقت شرعنا للمطار لتصدير
تذكرة أخرى جديدة؛ اندلقت من موظفة مكتب السفر والسياحة بالمطار عبارة حاسمة؛
عليكَ أن تدفع الآن، كانت موظفة سمراء البشرة، ترتدي ياقة حمراء في رقبتها، كما
تبدو عليها أمارات التعب؛ لربما لم تنم ليلة البارحة أو أن ساعات العمل طويلة
ومرهقة هنا في مكاتب مطار السيب السياحية، لكنها قابلتنا ببشاشة وابتسامة؛ عرضت
علينا سعر التذكرة وكان سعرها يفوق سعر التذكرة في مكاتب السفريات الخارجية؛ كان
شعورًا غريبًا انتابني وقتئذ؛ شعور مختلط بين فرحة السفر وصعود الطائرة لأول مرة
في حياتي والجلوس في قاعة البوردينج في مطار السيب الدولي يسبقه احتساء فنجان قهوة
يعيد نشوة الحياة وبين شعوري اللحظي بفقدان تذكرة السفر التي عوضتها بتذكرة أخرى
وبسعر عالٍ؛ حينها تعكر مزاجي قليلًا فأخفيت مشاعري عن زميلي حتى لا أشركه في تلك
المشاعر التي جثمت على صدري فالمبلغ الذي دفعته وقتها اهتز معه مخطط السفر في
تايلند وهذا أمر طبيعي؛ زممت شفتي قبل أن أعود بأريحية إلى ذاتي وقلت عليّ أن أعيش
لحظات السفر كما ينبغي أن يعيش المسافر؛ عليّ أن أطوي صفحة الساعات السابقة كما
نطوي صفحة الأمس؛ فهي تجارب نتعلم منها وهنا مكمن السر في تجارب السفر؛ نتعلم منها
كيف ندير ما حولنا كما نتعلم من ثقافات الشعوب بالاختلاط والتعايش معهم، في هذه
التعويبات أستعرض شيء من الذاكرة وإن كانت ليست بالذاكرة السعيدة لكنها تتقاطع مع
مقولة "ديستويفسكي" "إن لكل إنسان ذكريات لا يريد أن يصرح بها
للجميع، وإنما لأصدقائه فقط ولديه أيضًا أشياء أخرى يخشى أن يخبر بها حتى
نفسه" نعم؛ هكذا هي بعض الذكريات؛ لكني آثرت بعثرة حروفي هنا في هذه المساحة
للبوح بها فمع التقادم تبدو الذكريات وإن كانت في غير ما نريد لطيفة؛ هرعت مسرعًا
مع الجميع للخروج من الطائرة بعد أن حطت في مطار "سوفارنابومي" في
بانكوك وفي واجهته تجد صورة "أدولياديج" الملك السابق في كل زاوية وهناك
تتسابق الأقدام لإنهاء إجراءات الوصول؛ قضينا أسبوعين في تايلاند؛ متنقلين بين
بتايا وكانشانابوري وبانكوك وفي العودة إلى أرض الوطن وردني اتصال من موظفة المكتب
تفيد أنّ تذكرتي وجدتها في الجوار وشروطها أن يعود مبلغ التذكرة كامل دون نقصان؛
لملمت مشاعري التعسة قبل السفر وضحكت كثيرًا على تلك التجربة المرة؛ نعم كانت
تجربة مرة وإن حاولت إخفاءها عن زميلي وقلت: فيا للفقد الذي أحدث في المسافر ندوب!
تعليقات
إرسال تعليق
مؤكد تعليقاتكم محل اهتمام