في مطعم الشهداء نترحم على شهداء إقليم قره باغ
كتب: يحيى المعشري
ins.yahyaalmashari أنستجرام
بدأتُ البحث إلى أن ساقتني قدماي إلى أحد
المقاهي التي تعد الشاورما؛ احترت في بادئ الأمر قبل أن أقرر المضي قدمًا إلى
الداخل والاستمتاع بالجلوس مع الأهالي وشرب لبن العيران الذي ذاع صيته في أذربيجان
كما هو الحال في تركيا؛ إن هذه الدول تتشارك في الثقافات، المقهى من الخارج بسيط في كل تفاصيله؛ دخلت المقهى وفي الرواق الداخلي جلستُ أتأمل الجدران
والطاولات وبدأت أُمعن النظر إلى الصور المعلقة في الأعلى إنها أشبه
بثكنات الحرب؛ حيث صور الشهداء تصطف بالتدرج في كل الأرجاء؛ شهداء؛ قلتها بدهشة
وغمغمت في حيرة وسرت مني همهمة استنكار وعدم تقبل ما رأيت؛ كيف لي أن أتقبل وجودي
في مقهى يقدم الأطعمة والمشروبات التي تستفتح بها نفسيتي للطعام وتتقبلها ذائقتي
في مكان مليء بصور القتلى أو ما أسموه هم بالشهداء فعدت هنيئة بذاكرتي إلى يومٍ
مضى حيث مروري وأنا أتجول في المنطقة بزقاق الشهداء الذي يحوي أضرحة الموتى؛ إنهم
يفتخرون بموتاهم أو بالأحرى بشهدائهم؛ حيث تعود قصتهم إلى حروبهم الطاحنة مع الأرمن
كما حكى لي "سهيل" وهو مالك المقهى وأحد المشاركين في الغارات، سهيل متوسط الطول أبيض البشرة أقرع الرأس، تبدو عليه أمارات الحماسة عند دخول أي ضيف أو
زبون إلى مقهاه، ما مناسبة هذه الصور يا سهيل؟ سؤال قلته بفضول وكنت لا أعلم هل هو
من قبيل المواساة أم من نافلة الدخول في حديث يخفف عن سهيل ورفاقه ذكريات الموت؛
لكن سهيل كما يبدو أبدى عدم اكتراثه وقال بجسارة هو الصراع العرقي الأزلي بين
البلدين؛ قال سهيل بفخر الانتصار؛ حيث أن قصة الصراع بين البلدين لها جذور تاريخية
منذ عشرينيات القرن المنصرم.
إنه الصراع البشري بين الأعراق الذي ينمو مع كل شرارة
حرب بين البلدين، لم يستكن "سهيل" ورفاقه ولم يستطع حبس دموعه بعدما
شاهد فضولي لمعرفة القصة كاملة وأنا الذي لا أميل لقصص القتل والتعذيب، إنه الصراع
على إقليم "ناجورنو قره باغ" وهو إقليم جبلي جزء من جنوب القوقاز ذا
أهمية اقتصادية؛ أحاديث الحرب لا تنتهِ في هذا المقهى كانوا أكثر من شخص عندما
رأوني مهتم بتفاصيل الصور المعلقة في الجدران لكني كنتُ مشحون بالفضول أكثر من
اهتمامي بالحرب؛ وبين تصريحات ساسة الدولتين راحت أرواح الشهداء إلى رفاتها الأخير؛
ومن يمتلك قوة السلاح ومن يمتلك الداعم الأقوى هو المنتصر؛ تفرست وجوه الشهداء
تبدو ملامحهم شابة؛ أخذ "سهيل" يضغط على جوجل ليريني أكثر عن تفاصيل هذه
الحرب التي دارت رحاها على إقليم" قره باغ" وقع بصري على سلاح "البايرق
دار" الفتاك وهنا علت ضحكة مكتومة وبدأ ساعد ورفاقه يحدثون جلبة وصاحوا بصوتٍ واحد "تركش" تركش"
أي أن تركيا من مولهم بهذا السلاح وفي المقابل كانوا يكيلون السباب على الدب
الروسي الذي مول الأرمن وفي 20 نوفمبر 2020 أرخى الدب الروسي بقيادة
"بوتن" تعليماته لإيقاف الحرب وكافة الأعمال العدائية بين البلدين هكذا
كان سهيل يتجول بإصبعه على هاتفه وبين الزعل الأرمني جرّاء القرار والنصر الأذري
وفرحة ساعد الذي أشار إلى قلادة النصر التي تقلدها من الزعيم الأذري عليف كما أشار
إلى الأوسمة والنياشين التي قُلدت للمشاركين في هذه الحرب التي دامت (40) يومًا
وعاد إقليم قره باغ إلى سهيل ورفاقه، كانت تدور في ذهني فكرة واحدة وهي من الذي
يعوض الشهداء؛ بترتها بنظرة فاحصة في الأرجاء رافعًا إبهام كلتا يداي متعاطفًا مع
ساعد ورفاقه ومؤيدًا لهم وكل ما يقولونه وما يودون قوله فأنا في حضرتهم وأنا في
ثكناتهم أو مقهاهم وقد بدأت أتضور جوعًا؛ قرأت هدهدت الحزن على وجوههم؛ هدهدة بطعم
حلاوة النصر، تناولت عشاءً مكونًا من بواقي دجاجة وقليل من الأرز الأبيض المنزوع
الملح ، تناولت وجبة العشاء وأفرغت الشاي من صنبور إناء خُصص للتبرع لضحايا موقعة
"قره باغ" الشهداء مشاركًا إياهم عزاءهم من قبيل المجاملة، مستمتعًا
بالبركة التي رأوها في قبولي الدعوة وقد وضعت علامات تعجب واستفهام وقلت في سري
"الحمد لله" أننا نشاهد ونتعلم من هذه الشعوب؛ هي دروس مجانية نقرأها في
صفحات الدول التي نزورها ونتعرف عليها من خلال الجلوس مع شعوبها فنستقي الصالح
منها ونترك ما لا يتناسب مع وضعنا؛ هي تجارب ننقلها للناس لنتدبر معًا ونتعلم
معًا.
أنا وسهيل أحد المشاركين في تحرير إقليم "قرة باغ" في أذربيجان من الأرمن
تعليقات
إرسال تعليق
مؤكد تعليقاتكم محل اهتمام