إلى أين تقودنا قافلة مشاهير الرقص والصراخ
!
______ يحيى المعشري ✍️
"إذا كنت لا ترى غير ما يكشف عنه الضوء ولا تسمع غير ما يُعلن عنه الصوت، فأنت في الحق لا تبصر ولا تسمع" جبران خليل جبران
إن ما يلوح في الأفق اليوم أن بعض الناس في عصرنا الحالي وواقعنا باتوا أتباع ما يُعرض عليهم من فئة من البشر؛ تجدهم في كل ناعقة وكل بارقة وكأنهم أوصياء الله في خلقه؛ ففي المجالات الاجتماعية من أعمال خيرية وتطوعية هم في الأمام وفي أوقات الأزمات تجدهم في المقدمة وفي ما يحدث في المجتمع سواء أوضاع اقتصادية أم حالات عارضة صحية كانت أم كوارث مرت علينا تجدهم في المقدمة؛ يتأبطون عدة التصوير وبيدهم هواتف زودت بأحدث التقنيات والأنظمة، هم فئات من الذين ينشط المجتمع على وصايتهم وهم المحرك الذي لا يتزحزح المجتمع فيه إلا بأمرهم وهم الوقود الذي يزود المجتمع لكي يسير إلى سبيل الصواب؛ إنهم النشطاء أو بما يعرف اليوم بالمشاهير وللأسف باتت المجتمعات ربما بما مر عليها من أوضاع تنجر وراء هؤلاء الرهط من البشر الذين تجدهم يدسون أنفهم في كل القضايا المجتمعية وتراهم العارف بشؤون الدول والفاهم بخارطة الطريق التي تقود الأمم إلى جادة الصواب؛ هم الميزان الذي يوزن احتياجات المجتمع؛ هم الذين يرسمون البسمة المنزوعة من البعض على الشفاه بصراخ واعوجاج وتفاهات. يتحدثون في السياسة والفن والرياضة؛ فنسي الناس العلماء والأدباء والمفكرين وعباقرة الرأي والبناء القيمي الإنساني.
عندما تسأل سين من الناس وأنت في لقاء عابر أو محفل علمي أو أدبي أو لقاء متلفز أو عبر الأثير عن أهم علماء الأمة والأدباء والمفكرين والرحالة وحملة الشهادات العلمية الذين يُعتد بآرائهم وأفكارهم وأقوالهم يقولون ودون تفكير لا نعرف عنهم شيئًا وحينما تسألهم عن سين من البشر من المشاهير الذين كمن يتخبطه الشيطان من المس أمام الكاميرا؛ تارة يقتحم صالون التجميل وتارة يروّج للمحال التجارية وتارة في المقاهي والمخابز وتارة في الوجهة السياحية والتراثية وتارة ناصح للحفاظ على البشرة باستخدام المسحوقات والكماليات؛ يعرفه الصغير والكبير، تعرفه المرأة العادية والوجيهة وتوجه له الدعوات ليس من عوام الناس فحسب بل حتى من سيدات المجتمعات ويُكرّم نتيجة أعماله القومية والوطنية؛ هكذا يصور لنا العقل الباطن الناس حولنا وكأن الظهور اليومي وتسجيل اليوميات هو من يحدد قيمة ومكانة الإنسان في المجتمعات؛ يقتحم كل التطبيقات الحديثة باحثًا عن أكثر عدد من المتابعين فمن المنتديات إلى الفيس بوك إلى تويتر إلى الأنستجرام والسناب شات إلى التك توك وغيرها من تطبيقات تستهدف شرائح المجتمع فيظن في قرارة نفسه أن تأثيره سحري على المتابعين ويبدأ يسوّق لنفسه على هذا النمط وبوتيرة متسارعة وما زاد الأمر غرابة أن تجد شخصية مجتمعية برزت في مجال معين تنجر وراء الشهرة والإعلانات وتتحدث بلغة الأرقام بين من على شاكلته وأمام الكاميرا يتحدث عن القيم والمبادئ وشؤون المجتمعات وماذا ينبغي ولا ينبغي أن تقوم به.
إنها أزمة الرفاهية الكاذبة التي توهم ذلك المشهور أنه ذا مكانة في المجتمع ويحق له أن يصرح ويتلاعب بمشاعر الآخرين على وتر المعاناة؛ متجردًا من إنسانيته وخلفه سيل من الذباب الوهمي الفاتورة السنوية التي تزيد من أعداد المتابعين وتعطي العقل الجمعي لدى شرائح المجتمع أن من لديه هذا العدد من المتابعين جدير بالمتابعة وجدير بإهدار شيء من أوقاتنا الثمينة من أجله، يقول أحد المتحدثين "إذا أردت قتل الثعبان هل تضربه من الذيل أم من الرأس جدلًا الإجابة دون تسويف من الرأس، إن الأمر الغريب أن يصبح ويمسي الذين كانوا يتكلمون في البارات والمراقص ويتصدرون الشاشات والأغرب من ذلك استضافتهم من الإعلام الخاص والعام فتنشأ علاقات بين المذيعين والمشاهير ويجبر من على شاكلتنا أن يصيخ السمع ويرى تلك الفئة من البشر؛ إنهم الأفيون الجديد للشعوب فيضمنوا التقليد من العوام فتخلق منظومة من التافهين وتخلق الفضائح والعهر واللهو ويخرج أشخاص منحرفين سلوكيًا وفكريًا يجهلون معنى الحياة وفي وصف بليغ للمفكر والفيلسوف والروائي الإيطالي أمبرتو إيكو عن غز البلهاء ومنح الكلام لفيالقة من الحمقى.
قبل شهر من الآن غرد أحد الصحفيين عن ظاهرة الصراخ والرقص لدى عدد من المشاهير في رحلة لهم إلى شرق أفريقيا وقد كان يثني على مشاهير دولة مجاورة في تقديم الفكرة، ما هي إلا لحظات حتى جيّش المشاهير الذباب الالكتروني ومن تأثر بأفعالهم وتابع يومياتهم وإعلاناتهم وانساق خلف ما يعرض في الشاشات ودخل الصحفي في معركة من التنمر والإساءة الشخصية بصورة غريبة أنتجت قبح التأثير على المتابعين.
يا قوم إننا اليوم أمام معترك قيمي عظيم يتصدره المشاهير أيٌ كانت أعمالهم وأفعالهم؛ فلا تزينوا للناس أنهم الصفوة وأنهم المنقذين لموقف قاموا به يومًا ما وإنما القيم والمبادئ والأفكار الراسخة هي من تصنع المجتمعات الثابتة وتبني الدول الراسخة؛ على الدول أن تزرع في النشء أهمية الثقافة والفكر والتحليل والمناقشة وتشجع المجتمعات على القراءة ثم القراءة ثم القراءة وأن لا تكون هشة يتلقفها المشاهير مهما كانت توجهاتهم ومهما كانت أعمالهم وأفعالهم فالإنسان "حمّال ألوية نظرته شخصية في المقام الأول.
تعليقات
إرسال تعليق
مؤكد تعليقاتكم محل اهتمام