أنا لستُ مليونيرًا لأشتري القهوة من عُمان
يحيى المعشري
الخميس ٢١ يوليو ٢٠٢٢
عنوان مجازي لا يحيد عن الحقيقة التي نعانيها في عُمان وربما دول المنطقة من ارتفاع في أسعار القهوة المتصاعدة والتي لا تعبر عن أسعارها الحقيقية في عديد من الدول التي زرتها في أسفاري وإذا كان السبب يعود إلى الخسائر التي شهدتها البرازيل وهي الدولة الأقوى في انتاج البن عالميًا وهذه حجة ضعيفة؛ لأن ارتفاع أسعار القهوة عندنا ليس وليد اللحظة ولتكن البداية من رحلتي قبل ثلاثة أشهر إلى تركيا حيث الإطلالات الساحرة للمقاهي وحيثُ الأجواء المنعشة لعشاق القهوة ومحبي التأمل والاسترخاء التي تفضي إلى أروقة تشاهد فيها ملايين البشر يتجولون في الميادين وهنا أنت على موعدٍ مع فنجان أو كوب قهوة وبيدكَ هاتفك المحمول أو جهازك الآي باد أو كتاب هو رفيقك وونيسك في رحلة القهوة مع كل رشفة ترتشفها؛ وقبل أن تبدأ طلبك تذكّر رائعة محمود درويش في القهوة "القهوة لا تشرب على عجل، القهوة أخت الوقت؛ تحتسى على مهل؛ القهوة صوت المذاق، صوت الرائحة، القهوة تأمل وتغلغل في النفس وفي الذكريات" أنتَ الآن في عالمك الحالم الذي تعشقه كما عشقه الكثيرون من عشاق القهوة وتختلف ميولات وأمزجة الناس في حب القهوة؛ أيٌ كانت الرغبات وبأسعارٍ مناسبة جدًا جدًا جدًا في هذه البقاع من الأرض؛ وفي صيف سبتمبر الفائت حينما كنت في تركيا كانت القهوة رفيقة الدرب والونيس الذي ألوذ إليه في غربة السفر وأيٌ كانت الأمكنة وجمالياتها في الشمال التركي؛ بدءَا من طرابزون وميادينها وشوارعها المنتظمة، مرورًا بأوزنجول وبحيراتها الساحرة ولا يمكن أن أنتهِ إلى هذا الحد من التطواف فهناك آيدر ريزا حيث يسكن الجمال وفي كل زاوية تجد البارستا يعد القهوة بنفسٍ راضية وبأسعارٍ لا تتجاوز الـ 600 ست مائة بيسة وأقل، تركتُ ضواحي طرابزون وجبالها وسهولها وحفيف أشجارها، تركت أوراقها تتراقص على أنغام فصولها المتعاقبة لربما فيها أسعار القهوة أرخص عن بقية الأقاليم التركية وحينما دلفت اسطنبول الدافئة هناك حيث فتنة خليج البوسفور ورفرفة أجنحة النوارس خلف دقل سفائنها وابتهاج مسجد آيا صوفيا في سلطان أحمد وسحر الميادين ممثلة في ميدان تقسيم وهيبة الشوارع في شارع الاستقلال؛ تخيل عزيز القارئ اللطيف أنت في حضرة هذه المدينة وليس من ذريعة للتسويق دخلت مقهى ستاربكس وبجواره أساطيل من مقاهِ القهوة بمختلف أنواعها لكنّي كنت على موعد مع البراند العالمي الذي غزانا منذ عقود من الأزمنة من باب المقارنة؛ نعم عزيز القارئ تخيل معي أن كوب القهوة حجم وسطي قيمته 600 ست مائة بيسة عُماني بينما أبتاعه في عُمان بلادي الغالية بقيمة 1.950 ريال وتسع مائة وخمسون بيسة ولا أريد أن أصدمكم بالمكان ولا الإطلالات فهي ماثلة للعيان؛ اسبروا أغوار العم جوجل لتجدوا قليلًا مما أتحدث عنه، أترك تركيا ومدنها وضواحيها وموانئها وخلجانها ولنحزم الأمتعة معًا أحبتي إلى أذربيجان وعاصمتها الحنونة باكو ومن شارع إسلام سفرلي وعلى بعد مائة متر مشيًا على الأقدام أشاهد باعة البوت والكرز والمشمش والكستناء الطازجة وبعض الفواكه التي لا أعلم اسمها ولكنّي أتذكر ألوانها وطعمها اللذيذ والبشاشة طُبعت على وجنتي وفاه تلك المرأة المسنة التي قررتُ أن أصور معها صورة تذكارية غير قابلة للنسيان وحتى لا أخوض في تفاصيل ما رأيت في السفر فهناك الكثير لِيُحكى، تجاوزت الأشجار المعمرة الوارفة الظلال ومشيت قبالة شارع نظامي حيث التجمعات البشرية والفعاليات والأنشطة التي تمارس وهناك كنت على موعدٍ لاحتساء كوب قهوة رفقة أحد الأصدقاء الذين تعرفت عليهم في سفري وهو سعودي الجنسية؛ لم يجد غضاضة من توجيه الدعوة لي فهو يعلم تمام العلم أن هذه الدول متصالحة مع القهوة وعشاقها دخلنا مقهى ستاربكس بخطوات متزنة؛ وقفت دقيقة أتأمل تفاصيل المبنى والإضاءة وتوزيع الكراسي ورقي التصاميم وغيرها التي يخونني قلمي للحديث عنها بادر رفيقي لطلب قهوتي المفضلة بحجمها الوسطي حتى لا أخرج عن عادتي وحينما طلبت فاتورة الحساب كان سعر كوب قهوتي 650 ست مائة وخمسون بيسة، على الفور طبعت ابتسامة ساحرة ساخرة عبرت القارات وزارت البوسنة والهرسك داخل أسوار البلقان حيث تتشابه أسعار القهوة حينما زرتها في صيف مايو أيار من عام 2015 للميلاد وما زاد سخريتي أن سرعة الإنترنت هنا تفوق سرعة قطار الموت في صيغة المبالغة ومن باب الدعابة والتشبيه دلالة على سرعة الإنترنت وبلا حدود إن شئت البقاء هناك يومًا كاملًا، إنني أمام فتنة القهوة ولي أسبابي وبين أسعارها الملتهبة في بلدي التي تسرقني بنفسٍ راضية دون حسيب أو رقيب ينصفني من نير الأسعار الفاحشة أتذكر قولتي للبارستا من أبناء جلدتي وهو يعد قهوتي المفضلة في أحد المقاهي " أنا لستُ مليونيرًا؛ لأشتري القهوة من عُمان!
تعليقات
إرسال تعليق
مؤكد تعليقاتكم محل اهتمام