متى تُوزع أراضي "أمهات الوطن" يا وزارة الإسكان

 
يحيى المعشري
الثلاثاء ١٥ فبراير٢٠٢٢١م 
. وزارة الإسكان والتخطيط العمراني
 
هذه سطور أسردها بعد أن سحبت وزارة الإسكان أرض والدتي وذلك لعدم تقبلها موقع الأرض في منطقة جحلوت التي تفتقر للخدمات الأساسية وقتئذ وانتظار الإفراج عن موضوع أراضي بوشر العالق؛ أين لا أعلم أين- لكنني سأكتب عملًا بالقول "أن البُرج الوحيد الذي يصل إلى السماء هو القلم.

لم أشأ أن أكتب عن أشياء تخصني أو تخص أحد أفراد العائلة لكنني سوف أنقل تجربة حصول والدتي على أرض سكنية في أرضٍ تُقدر قيمة الإنسان وهي تجربة حقيقية لا أريد منها استعطاف ولا تزلف، فالأمر لا يخصني على المستوى الشخصي ولا يمكنني أن أحكم عليه؛ لأن المعني به هو والدتي ولها حرية التعبير عن ما يختلج مشاعرها؛ بحصولها على أرض من عدمه هي تجربة ليست من بنات أفكاري بقصد إخفاء الحقائق بقدر الحقيقة المؤلمة التي بدأتُ أقرأها في وجهها كل صباح وهي تطلب مني ومن إخوتي قائلة: راجعوا موضوع الأرض؛ حدّثوا الوجيه الفلاني؛ لأن صوته مسموع أو اذهبوا إلى الشيخ الفلاني ليتوسط لكم عند المسؤول في الإسكان وكثير من الأحاديث المباشرة أو الإيماءات الغير مباشرة التي تغدقها علينا كل صباح "أم الوطن" تريد أرضها يا حكومة وهنا استعارة عنيت بها والدتي وكل أم في هذا الوطن الشريف هي "أم الوطن" فقد صحبتها ذات يوم إلى وزارة الإسكان من العام (٢٠١١) وهي السنة التي بدأت فيها بلدنا الحبيبة شرارة الاعتصامات وفيها لفظتها بفضل من الله ومنته؛ كانت سنة مختلفة بكل تفاصيلها لم يسبق أن قامت في السلطنة طوال مسيرتها المظفرة في عهد الراحل السلطان قابوس طيب الله ثراه؛ في ذلك العام طلبت الحكومة السماح للنساء بالتوجه مباشرةً إلى مقر الوزارة وأفرُعِها للحصول على أرضٍ سكنية ولا أعلم الدافع الحقيقي لتلك المرحلة، المهم ذهبنا وعلامة السرور بادية على محيا والدتي وكانت مسرورة حقًا ولا يمكنني وصف حالة السرور التي تعشيها في تلك اللحظة على الرغم من طول مدة الإجراءات لكنّها كانت مسرورة حقًا وهذا ما قرأته في تعابير وجهها وقتئذ؛ ليس لسببٍ محصور في فلسفة معينة يمكن قراءتها في كف فنجان أو باصر يجيد فك طلاسم الشعور الحسّي اللحظي، نعم؛ هذا الذي قرأته لحظتها؛ لأنها أخيرًا ستحصل على أرضٍ بها تثبت أنها مواطنة عُمانية من غير العاملات اللاّئي يتقاضين أجرة من الحكومة؛ وفي كلا الحالتين العدالة الاجتماعية تقتضي ذلك للعاملات وغير العاملات من وجهة نظري الخاصة، أخيرًا سوف يتم تقديرها في وطنها فهي التي لم تعمل ولم تحصل على فرصة التعليم، عدا مدارس محو الأمية ومدارس تعليم القراءان الكريم في الفترات المسائية التي لا تتعارض ومهمتها السامية الاهتمام بشؤون المنزل على اعتبار أنّها "ربة منزل" مهمتها إضافة إلى الكثير من المهام في الحياة هي الرسالة السامية "تربية أبناءها" وهنا مهما كتبت ومهما بررت لا يمكن أن أحصي ذلك الفضل منها لنا وإن كتبت مدى الدهر وكرّست جُل أوقاتي بين حواشي الأوراق أكتب وأكتب وأكتب فأي قلمٍ ذلك الذي يُشبع قريحة سخرّت في حق الأم، تلكَ كانت مهمة تقوم بها ومن مهامها الأخرى التنقل بين البيت والمزرعة مع والدي العزيز لمساعدته بأعمال الزراعة والريّ لجني خير الأرض في موسم القيظ، على الرغم أنّ المزرعة ليست ملكًا لهم والمصطلح الذي يُطلق عليهم في الدارج المحلي "بياديـر" فكانت مهمتهم رعاية المزرعة وحرثها وريّها والاهتمام بها لجني محصولها لبيعه أخيرًا وليس آخرًا في الأسواق المحلية، ولم يكونوا على دراية بأهمية غرس الفسائل ورعايتها كما ذُكرً في الحديث الشريف عن رسول الله عليه أفضل الصلاة والتسليم "إذا قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة فليغرسها" لكنهم كانوا يعملون، نعم يعملون كما كان يعمل ذلك الرعيل الطيب من الناس في تلك الفترات الصعبة والعصية،  تَعِبت اليد ولم تكل ولم تمل فتلك اليد التي يحبها الله ورسوله ، ضاقت الأرض من دبيب الأقدام التي تخط جداول السواقي والأفلاج ولم ترفض فكانت العلاقة بينهم كالتوأم الذي يُفضّل البقاء مع توأمه الآخر كثير من الأوقات، سمة القناعة ديدنهم، علاقتهم وطيدة بالوطن وشؤونه وتبدى ذلك عند تسمرهم أمام شاشات التلفاز وهم يتابعون الأخبار بحرص واهتمام، تغمرهم مشاعر الفرحة عند رؤيتهم تحركات السلطان في الجولات السلطانية على وقع صوت المعزوفة السلطانية الفخمة لـ جوزيبي تارتيني التي ارتبط بها كل بيت عُماني، يتذكرون الموسيقى السلطانية كلما حان وقت الغداء في يوم جمعة مليء بالمشاعر الروحانية الإيمانية وهو يتجمعون على صحن البيت في لمّة أسرية دافئة مليئة بالحنين لكل شيء يذكرهم بالوطن والسلطان، نعم؛ يتذكرونها كما يتذكرون أبناءهم فلذات أكبادهم، كان ملمح وزارة الإسكان ومداخلها وممراتها لا زال عالقًا في ذاكرة والدتي حينما تتحدث عن دخولها ذلكَ المبنى لأول مرة في حياتها وخروجها بأرض تنتصر لها كمواطنة حالها حال المواطنات من أبناء علية القوم ولا أعلم كيف يعلو الإنسان ويسمو في أرضٍ هي للجميع دونما تفريق أو تأطير، نَاظرت والدتي صندوق السحب رباعي الأضلاع وأمعنت النظر في الجمع الذي حضر لأخذ حصته من الأراضي من كلِ فجٍ عميق، تصيخ السمع إلى أصوات النسوة وكأنهن في قاعة أفراح، أهازيج فرح عمّ المكان، سحبت والدتي أرضها وشاءت القرعة أو الوزارة بصفة أدق فمسؤوليها هم الذين... ثلاث نقاط بلا أقواس؛ قرروا أنّ تختار منطقة جحلوت بولاية العامرات هكذا اختارت الوزارة ومسؤوليها مناطق توزيع الأراضي حينذاك، منطقة جحلوت رغم جمال ساكنيها وسمو أخلاق أهاليها ولا يمكن أنّ أذكرهم بشيء يسيء لمحيطهم وجغرافيتهم هكذا هم وهكذا هي حياتهم في جغرافيتهم التي أحبّوها فهي بالنسبة لهم شأنٌ عظيم، لكن والدتي ما دخلها في جحلوت وهي سيباوية المولد وبوشراوية المعيشة باللكنة الشبابية لعشاق الساحرة المستديرة كرة القدم، فجحلوت في سحب القرعة بعيدة عن الخدمات الأساسية التي تصلح للاستيطان؛ أي بلا حياة؛ حتى القبور هجرتها وتسربلت فكيف نُكرّم الأحياء بالعيش في أرضٍ خالية من الحياة، وفي تلك المرحلة منّت "والدتي" نفسها أن تحظى بأرضٍ في الولاية التي تقطن بها وهي ولاية بوشر على أمل أن تحكم المحكمة لصالح الأهالي في قضية طال مداها ولا يريد لها القاضي أنّ تنتهِ؛ قبل أن تقوم الساعة ويحشر الجميع مع الزمرة وتفنى الأرض ومن عليها، فلا سلطان اليوم إلا سلطان السماء والأرض- أعدنا مسلسل الأرض الذي بدأ بمداعبة موظف الإسكان بتحسس الملفات وسحب والدتي للقرعة في تلك الفترة إلى أن أقبل اليوم وهو هذا اليوم الذي بدأته بتسجيل معاملة والدتي في مكاتب سند من جديد في رحلة مكوكية أخرى أفرزت قرارات صارمة على "أم الوطن" بأن تُسحب أرضها لأنها لم تستخرج ملكيتها فالوزارة لها قرارات ولائحة داخلية من لا يقوم بإصدار الملكية تنتزع الأرض منه ويقدم طلبه من جديد وبين أرض والدتي في منطقة جحلوت التي اختارتها وزارة الإسكان وبين متابعة مكاتب سند لتقديم طلب جديد لها رحلة أخرى تبدأ من جديد لوالدتي  وقد شارفت على "السبعين" من العمر، مسلسل محلي أأمل أن تُبث حلقاته على مائدة الإفطار في شهر رمضان المُقبل، عنوانه مكتوب ونصه "المواطنة البسيطة التي أفرحتها قطعة أرض ظنّت من الوهلة الأولى أن خوارزميات الحياة متعادلة تعود اليوم إلى مراجعة مكاتب سند لتعيش مجددًا على ضفاف الأمل ورؤية المستقبل في حلم أشبه بالوهم يا وزارة الإسكان؛ هذه كانت سطور خطّتها يداي عن والدتي ولدي الكثير من الحالات لنساءٍ في ذات العمر وأكبر لم يُمنحن قطعة أرض على الرغم أنّ الوزارة تقيد طلباتهن في مكاتب سند كأحقية في أرض عدد سكانها لو وزعت الأراضي بها بالتساوِ في مسقط؛ نعم في مسقط لقاطنيها، لــصرخت الأرض هلموا؛ لدي المزيد، لدي المزيد، لدي المزيد!

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

حكايات من عينت والشطيفي؛ جولة في تخوم مطرح

من باحة سيدي أبو العباس المرسي إلى بيت ريا وسكينة

بين الشخوص والأمكنة، تجوال في أحياء بلدة بوشر