فتاة الدراجة بجزيرة الأميرات

يحيى المعشري
بدأت تسير مسرعة بعد أنّ فارقت زميلاتها متقدمة عنهن بمسافة بسيطة؛ أي لم تبعد عن مرمى البصر كثيرًا- كنتُ غارقًا في السير والتصوير ومع ازدياد حِدة ارتفاع التل طارت الدراجة بسرعة رغم وجود الفرامل وبينما كنتُ أُمعن النظر في الأشجار الوارفة والأوراق المتساقطة على الأرض وقد بدت كعِقد قلادة على رقبة حسناء، فأرخيت قبضة يدي اليمنى عن المقود لتقوم بمهمة التصوير؛ أومأتُ في سري وقد أعدتُ شريط الذكريات إلى حارات بوشر في ضواحي مسقط قائلًا: لا زلت أتمتع بفضل الله بقليل من مهارة قيادة الدراجة الهوائية، كثير من المشاعر خالجتني في هذه اللحظة وددت أنّ يخفرني في هذا التطواف عدنان الرئيسي؛ لأتعلم منه تقنية قيادة الدراجة الهوائية والاستعراض وأتعرف على عدنان عن قرب؛ فهو الذي اعتاد السير في أرجاء البلاد وحيدًا دون رفيق أو ونيس؛ موشحًا دراجته الهوائية بأعلام سلطنة عُمان وصور السلطان قابوس والسلطان هيثم مرددًا عبارات وطنية حفظها جميع من يعرفوه- تركتُ تلك الأفكار تتوارى فأنا الآن في الرحاب التركية بالتحديد "جزيرة الأميرات" وهي مجموعة جزر في بحر مرمرة في مدينة السحر والجمال، مدينة التلال السبع اسطنبول هذه الجزيرة التي تجد فيها الراحة وأنت تقود دراجتك الهوائية وذلك لعدم السماح بالسيارات العادية بها باستثناء السيارات الحكومية وهناك وسائل أخرى إضافة إلى الدراجات الهوائية التي يمكنك أن تقودها أو تركبها؛ مثل العربات التي تجرها الخيول "الحنطور" أو الدراجات النارية، الأجواء جميلة في هذا الفصل ومحفزة والأشجار الظليلة تحفني من كل جانب والشوارع نظيفة تمامًا في هذه الجزيرة والبيوت تسكنها الجنائن المليئة بالأشجار والمكسوة بالاخضرار والقرميد الأحمر، أوقفتُ دراجتي لحظة أناظر البيوت بغية مشاهدة أيُ شخصٍ من العائلات التي تقطن هذه البيوت- لكن أحدًا لم يكن موجودًا عدا بعض الكلاب النا بحة وفي اللحظة التي بدأت أهيم فيها في جزيرة الأميـــرات فإذا بفتاة من الجنسية الكازاخستانية مستلقية على الأرض وحولها زميلاتها وكانت مضرجة بالدماء في خدها الأيمن وأسفل شفاهها- الدموع المنهمرة من عينيها لا تريد أنّ تتوقف والسلة الأمامية للدراجة تطايرت خلف أوراق الأشجار المتناثرة- تبددت المتعة التي كنتُ أعيشها في تلكَ اللحظة في داخلي- أسترجع الدقائق القليلة التي حدثت وأنا أقوم بالتصويـر في العبارّة أثناء قدومي إلى الجزيرة والشتاء القارس يلفحني، بالكاد أحد الركاب بقيّ في الخارج من شدة البرودة؛ حيث كانت بمثابة الفرصة الذهبية التي أتاحت لي المجال للتنقل في العبارّة لالتقاط الصور التوثيقية على الرغم من برودة الطقس وإذا بذات الفتاة تستند على طود أشبه بسارية العلم بتغنج ودلال- لربما هي من الموديلز أو عارضة من عارضات الأزياء اللائي ينتشرن في ميدان تقسيم باسطنبول وبإيماءة تنحت الفتاة جانبًا باستحياء وأدب مفسحةً المجال لي لأخذ فرصتي لالتقاط الصور والفيديوهات من تلكَ الزاوية- المشهد الذي أراه الآن ولحظة الفرح المرتسمة على وجهها وهي في العبارة والمشهد الحالي المتناقض وهي تبكي والدِماء تسيلُ من جسدها الناعم يطوقنها زميلاتها كفيل بأن أتنقل على هامش الخيط الرفيع بين الفرح والحزن- تركتُ الفتاة وزميلاتها يصارعن القدر بانتظار المُسعِف وتركت الدراجة واتكأت على جذع شجرة- مجددًا سيري في هذه الجزيرة الحالمة، أغلقت عيني هنيئة أسترجع المقولة التي سقطت على هاتفي قُبيل خروجي من منطقة السلطان أحمد صبيحة اليوم "لماذا نغلق أعيننا عندما نضحك بشدة وعندما نحلم وعندما نتعانق وعند الخشوع؛ لأن أجمل ما في الحياة لن تراه بعينك بل تشعر به بقلبك"

عدت قبل انقضاء ساعة من استئجاري الدراجة الهوائية واضعًا نصب عيني أن لا أتأخر على محل تأجير الدراجات وأكرر نفس الخطأ الذي وقع عليَ في بلجراد العاصمة البيضاء.
من أمام محل تأجير الدراجات قبل بدء الجولة الآكثر من رائعة 
كنا ثلاثة والتقينا صدفة بإخوة ثلاثة أعزاء وأحبه 
هذه الباصات الحكومية المسموح لها في الجزيرة 
هذه هي الفتاة الكازاخستانية التي سقطت من الدراجة الهوائية 
أنا في رحلة العبارة في خليج البوسفور إلى جزيرة الأميرات 
إخوة تعرفت عليهم من باكستان على متن العبارة والتقيت بهم في الجزيرة 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

حكايات من عينت والشطيفي؛ جولة في تخوم مطرح

من باحة سيدي أبو العباس المرسي إلى بيت ريا وسكينة

بين الشخوص والأمكنة، تجوال في أحياء بلدة بوشر