تحت شجرة كالدي المعمرة نتلو نوستاليجا عقد من الزمان
أُنقب بين المسافات عن خطواتنا الجاثمة بتثاقل إلى حشرجة نتجرع مرارة القهوة بمذاقاتها المتباينة؛ هذا سبانش لاتيه وهذا موكا كافيه وهذا كابتشينو بالبندق وآخر يتلمظ طعم المكياتو وأمامه قطعة توست؛ يدقق في وجهها علّه يعرف سر الإفطار الملكي وأنا بينهم أتجرّع حلاوة اللقاء متطفلًا على طاولتهم المستديرة وكراسي بيضاء لا تعترف بالفوارق البشرية في حضرة اللقاءات.
هنا تحت ظلال شجرة الرولة المعمرة كما ننعتها محليًا أبحث عن كنبة أتوسد عليها بداية الأجواء الشتوية في العاصمة الجميلة مسقط- هذا هو أكتوبر البهي في مسقط حيث نلتقي بالرفاق خارج ملاعب المستديرة وخارج جدران المقاهي المغلقة وعلى مرمى خطوات بل خطوة واحدة في رابية القرم؛ رايتُ أصدقاء الأمس واليوم والغد الذين عرفتني بهم المعشوقة المستديرة "كرة القدم" ذات وقت- خرجنا من الملاعب الترابية نركل الحصى ونبعثر التراب، نعض على شفاهنا عند كل فرصة مهدرة- لم نكن نعرف بعضنا البعض قبل أن تجمعنا الساحرة في شاطئ القرم، نداعب الرمال الناعمة في مساحاتٍ تتسع فيها القلوب قبل المكان، ننظر شزرًا إلى البحر خلف فندق جراند حياة مسقط وجموع الناس الذين يقصدون الشاطئ وتحت أقدامنا نلوك المستديرة بمهارة لا متناهية- خرجنا من شاطئ القرم إلى الملاعب المعشبة ثم إلى البطولات الخارجية وفي داخلنا حكاية تفوز فيها العلاقات الإنسانية لا إحراز الأهداف بين الخشبات الثلاث.
وبين الفينة والأخرى ألتقي بهولاء الأحبة في أمكنة كثيرة دون سابق موعد في ربوع مسقط- كالأحلام نكبر معها وتكبر معنا في محطات الحياة وتسبقنا الابتسامة الندية المطبوعة على الشفاه- إنها صباحات أكتوبر التي شرفتني أن ألتقي بالأحبة مجددًا في بواكير الشتاء؛ تحت ظلال شجرة كالدي المعمرة؛ نعتصر معًا بواكير ذكريات اللقاءات التي مضى عليها عشر سنوات ونيف. هذا الكابيتانو سالم اللمكي اللاعب المتوقد كالنيران تحت المواقد حينما تكون الكرة تحت قدماه وهذا عمار الهاشمي الذي كافح ليكون الاسم اللامع بين الأصدقاء وهذا العدّاء الوسيم الرواحي الذي يخترق الضواحي مسافات ومسافات وبداخله روح الأبطال العظام وهذا منذر الخلوق في كلِ الأوقات والمراوغ الماكر في الميدان جمعتنا الصدفة هنا حيث لا كرة قدم ولا جمهور ولا خسارة ولا تحديات تزيد دوائر الحيرة اتساعًا فالكاسب الوحيد اليوم هي صورة عدسة "فيفو أكس سكستي" التي وثقتها أنامل العزيز بركات السليماني، مزحة أخرى دلقتها على وجه السرعة وهي عادتي بين الرفقاء- هذه إضافة قيمة يضيفها بركات السليماني في ألبوم هاتفي ومونولوج الحياة المتسارعة كالسباق المحموم في مضمار اللامدى- ثمة بذرة حنين زرعناها في الأرضِ نقطفُ ثمارها عند لقاء الذكريات، تطحن رحاها الأيام فنكتفي بالسكوت وكأن الصمت ران على قلوبنا- ما ألطف الشتاء وما ألطف أكتوبر في هذا العام المتوتر الذي يكشف غطاء عقد من الزمن جمعني وإياهم في مسرح الحياة.
تعليقات
إرسال تعليق
مؤكد تعليقاتكم محل اهتمام