معالي رئيس مكتب الوزيـر
يحيى المعشري ✍🏼
@ysk243
أعلم أنَّ البعض يستغرب من العنوان ويود أنَّ يفهمه من أول وهلة، نعم؛ معالي رئيس مكتب الوزير؛ قد يعلم من عاش في أروقة وزاراتنا من هو وما الدور الذي يمارسه فوق أعمال الوصف الوظيفي المناطة له، مليء المجتمع الوظيفي بالأحداث الغريبة والعجيبة؛ نتيجة غياب المنظومة الحقيقية التي تقوم عليها المؤسسات؛ وكم من الأفعال والأحداث التي تُمارس في أروقة هذه المؤسسات وليست السواد الأعظم بطبيعة الحال ولكنّها موجودة وجميل أنَّ نتشارك الرأي حيالها.
يُخبرني أحد الأصدقاء أنّه وخلال سنوات عمره الوظيفي لم يقابل الوزراء الذين يعمل معهم في ذات المؤسسة؛ عدا مرات قليلة ويذكر أنّه رأى الوزير الفلاني بالقرب من المصعد الكهربائي وكان مجرد سلام عابر؛ لأن رئيس مكتب الوزير لا يعطي المجال لأحد للحديث معه؛ بحجة أنَّ الوزير مشغول ويستطرد صديقي بحلاوة كلامه المبحوح والمغمور بالغصة أخذت على نفسي عهدًا أنَّ لا ألجأ إلى أي وزير يأتي إلى هذه المؤسسة؛ طالما هنالك حواجز يضعها من يُعرف باسم "رئيس مكتب الوزير" وأردف يقول: وكانه يُخرج الكلام من جيوبه الأنفية بصعوبة وما هذا الحديث الودي بيننا عدا متنفس يلجأ إليه بين الفينة والأخرى.
ذات وقت عندما هممت على صعود مدرج الطائرة؛ كنت متجهًا إلى سراييفو عاصمة البوسنة والهرسك في رحلة الترانزيت عبر مطار إسطنبول المكتّظ بالحِراك البشري؛ قاصدًا في وجهتي الأولى العاصمة البيضاء بلجراد وهي عاصمة صربيا وكم من الأحداث الدامية التي وقعت بين الدولتين؛ راح ضحيتها أبرياء لا ناقة لهم فيها ولا جمل وهي ليست معرض حديثي الذي أفردته لـ "رئيس مكتب الوزير"؛ بعد ذلك عازمين التوجه إلى البوسنة والهرسك؛ كنتُ منتشيًا لا أفكر مذ بدأت الطائرة تحلق في سماء مسقط؛ مستمتعا برؤية جبالها وسهولها وتخطيطها اللولبي وبيدي كتاب "التفكير الذي لا يقهر" للقائد الروحي ومؤسس مجموعة ((العلم السعيد)) ريوهو أوكاوا، وقع بصري على أحد الأصدقاء الذين غابت سيرتهم عني فترة زمنية طويلة ومنذ أول وهلة لـهذا اللقاء، سألته هل لا زلت تعمل في المؤسسة الفلانية؟ كان من الموظفين المثابرين المجتهدين، وللأمانة كنت أتوقع له مستقبلًا باهرًا ولا أبالغ إذا قلت أنَّ مستقبله القادم "مكوكي"؛ نظرًا للذكاء الحاد الذي يتمتع به، إضافة إلى تفوقه العلمي وإخلاصه المحض في أداء الأعمال المناطة إليه بأسرع وقتٍ دون تسويف أو دعة، كثير من الخصال يمتلكها هذا الشاب المتوقد ويطول الحديث عنه وعن مناقبه؛ توقفت عند عبارة هذا الشاب وقد غطّى بياض شعره كل شيء في وجهه، وهو حديث العمل في المجتمع الوظيفي وصغير السن، بحثت عن خصلات السواد التي كانت تشعرني أنّه لا يزال شابًا يافعًا غضًا، ودون أن أنبس ببنت شفة وأنا الذي لم أعتد التدخل في خصوصيات الغير؛ أردف هو قائلًا: لا تستغرب أنا هو ذلك الشاب "عرّف بنفسه" وأزال الغمامة التي كانت تعتمر ذاكرتي، إنني خرجت من تلك المؤسسة بسبب "رئيس مكتب الوزيـر" وقد حاولت مقابلة معالي الوزير مرارًا وتكرارًا؛ لأتحدث معه عن أعمال تخص المؤسسة وتخص مستقبلي الوظيفي؛ قطعًا كان رئيس مكتب الوزير يقفُ جدار صد بيني وبين هذا اللقاء وفيه دراسة مهمة قد تنقذ المؤسسة من خسائر فادحة، فاجأني أنَّه تم نقله على حين غرة وبدون سابق إنذار للعمل في محافظة بعيدة عن مقر سكناه في العاصمة مسقط وهناك تغرب داخل الوطن وكان عليه أنَّ يُنهي إجراءات نقل أبناءهُ في المدارس وكان عليه أنَّ يبحث عن سكن منفرد؛ يصلح لأسرة وبسعر يتوافق وإمكانياته وكانت لديه الكثير من التساؤلات؛ ما الذي أستطيع أنَّ أقدمه أنا ولا يستطيع أنَّ يقدمه الموظفين من أبناء تلك الولاية؛ حتى يتم نقلي! علامات استفهام وتعجب! حاول جدلًا أنَّ يتكيف مع وضعه الجديد؛ لكنّ أفراد أسرته وأمه المريضة ووالده الذي ناهز الثمانين من العمر لم يتأقلما مع وضعهم الجديد وهو المعيل الوحيد لهذه الأسرة، ماذا عن زوجته التي يتطلب نقلها إلى مكانٍ آخر وأسئلة كثيرة وضعها على طاولة الاستغراب! أخذ التفكير يعصف به وهو يحدّق إلى الكتاب في يدي حينما وقع بصره على عبارة "الحياة والانتصار" عندما تشع الفلسفة نورًا ماذا عليك فعله عندما تواجه موقفًا صعبًا، ربما ترغب في معرفة ما عليك أنَّ تفعله من الناحية العملية "ماذا يجب أنَّ أفعل؟ وكيف أبدأ في حل هذه المشكلة؟ عندما تُحلّ مشاكلك، ستجد أنَّ معظم همومك قد اختفت وستصل إلى المرحلة التالية.. تساءل عن المكتوب في الكتاب وقال لا غبار عليه أستطيع أنَّ أبلعه حينما أقرأ وأنا جالس في أحد الكراسي الوثيرة أو متكئ على أريكة فارهة وبيدي فنجان قهوة تعدل مزاجي وتزيل المشرئبات التي وقعت عليَ، كنت أعلم أنَّ سبب وجودي في هذا المأزق هو "رئيس مكتب الوزير" ليس لأنه منعني من مقابلة معاليه؛ بل لأنه لا يريد لأحد أنَ يستفرد بالوزير أو يملئ عليه اقتراحاته؛ كان هو الوزير وهو الذي يقرر وهو الذي يأمر بإصدار القرارات والتوجيهات وكان هو من يرعى الفعاليات والأنشطة في المؤسسة؛ فقد كان الوزير وزيرًا شكلًا وفق الّلامعقول؛ بينما من كان يتحكم في المؤسسة هو رئيس مكتبه ووصلت به التجاوزات أو الصلاحيات ولنسمها ما نشاء؛ أنَّ يأمر وكيل المؤسسة الذي عُين بمرسوم- ويسدي عليه التعليمات والتوجيهات فكان سلاحه الوزير وقوته التي يستمد منها حضوره وكان يرشح نفسه في أغلب اللجان؛ ليثبت حضوره ومعرفته بكلِ ما يدور في المؤسسة وكان يقتنص الأعمال التي تتيح له المجال لأن يستفيد من خزينة المؤسسة، كان صديقي يسترسل في حديثه وأنأ أبحث عن ملامح مكتب الوزير المخبأة في ذاكرتي وقد بدأت تختمر بها الأفكار وبدأتُ أبحث عن زجاجة شفافة أستطيع من خلالها رؤية تلك المواصفات وتلك الملامح التي تشكلت لدي وكانت أسئلتي التي لم أستطع البوح بها- هل رئيس مكتب الوزير هذا مر عليّ في المؤسسة التي أعملُ بها وهل ما يفعله مع الموظفين يمارسه مع المراجعين من المواطنين وغيرهم أم أنَّ ما تحدّث عنه الأصدقاء لا يتعدى أوهام في بِركة مترعة!
قطعًا لا ألبته؛ هذه الأفعال لا تحصل عدا في الروايات الخيالية وضعت يدي بتؤدة على ورقة بيضاء؛ أعانق فراشة فكري علها تفرغ تساؤلات باتت تعصف مخيلتي، قال لي أحدهم يوما لماذا لا يخرج الوزير للناس؟ لماذا يضع ذلك الحجاب ويرميه في ملعب رئيس مكتبه ويغلق أبوابه_ قال وقال وقال وتركته ووليت فكري شطر باشتشارشيا السوق القديم في سراييفو؛ لأمارس جنون النسيان هناك وأستمتع بسعر التذكرة التي دفعتها.
تسلم أناملك الراقية والجميلة ✨ ✨ ✨ ✨
ردحذف