من ذا الذي ينصفني من نير التعيين بالعقود في مؤسسات الدولة؟
يحيى بن سالم المعشري
ysk24@hotmail.com
حينما وقعت أمام بصري تغريدة أحد أعضاء مجلس الشورى مساء يوم الأربعاء الموافق ١١ نوفمبر ٢٠٢٠م والتي اختصرها بعبارة "هناك من المواطنين ممن يعملون لدى بعض مؤسسات الدولة والشركات والهيئات الحكومية وشبه الحكومية بعقودٍ سنوية وبعد أنَّ أمضوا في العمل سنوات؛ يأملوا أنَّ يتم تثبيتهم؛ حتى يضمنوا مستقبلهم الوظيفي. إنه واجبٌ وطني أنَّ يتم تثبيت هؤلاء الموظفين بعد طول انتظار ومن كان في عون أخيه كان الله في عونه" خلجت إلى وجداني ذات الأسئلة التي ضلّت حبيسة التساؤلات؛ دون أنَّ تخرج من رحم العقل الباطني.
ولا يمكن لقاطرة بشرية أنَّ تسير في طريقٍ ممهد دون أنَّ تجد الأرضية السليمة التي توصلها إلى جادة الصواب، مع الإيمان أنَّ الطريق الذي يخلو من التحديات والصعاب بدايته لا تمتاز بالحماسة ولكن كيف تتم التمهيدات الصحيحة لهذه الطريق وفق أيدلوجيات متوافقة ومن مبدأ متوازٍ دون إخلال في أركانه الثابتة.
وبينما كنت أغوار في تلكَ التساؤلات والإيماءات ولنُسمِها ما نشاء، حيث بدأتُ مؤخرًا التعرف على بعض من أبناء جلدتنا الذين يعيشون بيننا في المجتمع الوظيفي، لكنهم لا يتساوون معنا في الحقوق والواجبات ولا في الامتيازات ولا في الحرية التي نعيشها أو الاستقرار في بئية العمل؛ يدبون الأرض مثلنا ويصيخون السمع مثلنا ويحدقون إلى الشرفات والطرقات التي تسوقهم إلى مقار عملهم مثلنا، لربما الشيء الوحيد الذي عرفته مؤخرًا أنهم يتضرعون إلى الخالق بايادٍ غير مرفوعة ظاهريًا ولا يتبدى لنا رؤيتهم يصرخون في الأعماق كالضأن الذي وقع في قاعِ بئرٍ لا يسمعه يستنجد إلا من تقرب منه بعقلهِ وحسهِ وقلبه، إنهم المعينين بالعقود في مقار العمل الحكومي أو القطاع الخاص أو الهيئات الذين ارتضوا بواقع الحال دون تبرم أو تذمر؛ من أجل العمل بما تعلموه وهم على مقاعد الدراسة؛ سواء كانت مدة تعيينهم قريبة أو قضوا سنواتٍ طويلة دون مراعاة لظروفهم من نواحي عديدة منها على سبيل المثال لا الحصر (ضعف الأجور؛ قياسًا بالأعمال المناطة أسوة ببقية الموظفين والموظفات المثبتين في القطاعات الحكومية والخاصة والهيئات، الاستغلال الوظيفي؛ حيث يتعرض بعض الشباب والشابات في أروقة المؤسسات الحكومية والقطاع الخاص إلى العديد من المضايقات أهمها زيادة ساعات العمل والاستغلال بحجة إنَّ لم تطع الأوامر سيكون مصيرك خارج أسوار المؤسسة، التنمر؛ بحيث يتعرض البعض ممن أجبرتهم الظروف للتوقيع على عقود العمل على مضض؛ بحجة الظروف المعيشية إلى شتى صنوف التنمر من بعض المسؤولين والمسؤولات وربما الزملاء، تأخير نظام الترقيات والحوافـز؛ ووضح جليًا إنَّ الذين لم يشملهم حظ التعيين المباشر يعلم بعض المعنيين على إدارة الموارد البشرية ومن في حكمهم تمام العلم أنهم غير مستقرين وظيفيًا وماليًا ونفسيًا؛ فيتم تهميشهم من البعض وقد يصل الأمر للاعتداء على حقوقهم برفع تقريــر مشخصًا من بعض ضعاف النفوس وما أكثرهم، عدم القدرة على الاستقرار؛ كالزواج والاستفادة من القروض البنكية أو دخول الجمعيات الأهلية، كما يمن البعض من ضاف النفوس عليهم على أنه ولي نعمته وأنه السبب الذي أوجده بين أروقة المؤسسة فيقوم بإجبارهم على إنهاء أعماله الخاصة أو القيام بأعمالٍ إضافية خارج ساعات العمل الرسمية أو في المنزل في أوقات الراحة، كما يحمل البعض من خلال نظراته إليهم حقنة التعاطف، ووصل لبعضهم القيام بالتحقير والتصغير من مكانة أصحاب العقود، ولا أقولها بتندر فالذي يُقهر أنَّ يعمد بعض المسؤولين الذين يتّصفون بالتبجح على القيام بإجراءات خارجة عن نطاق القوانين الربانية والإنسانية في التعامل مع هؤلاء وكأنه يمن عليهم في لقمة عيشهم الكريمة. فلا استجدي هنا إلا ابيات إليا أبو ماضي "نسي الطين ساعة أنه طينٌ، حقيرٌ فصال تيهًا وعربد إلى "أأماني كلها من ترابٍ وأمانيك كلها من عسجد!
إلى سلالم الأماني
نصعد ونصعد
سويًا وفرادى
لا تتبدد الطموحات
لا ترتخِ الخيوط والوثيقة
طالما هناك شيءٌ اسمه شغف
يبدو لي من خلال وجودي في المجتمع الوظيفي وتتبعي للعديد من أصحاب العقود ومن جلست معهم من معارفي أنَّ الطريقة التي يتم التعامل بها معهم تختلف مليًا عن من يماثلهم في الأعمال والمهام الوظيفية من الذين يشملهم نظام التعيين المباشـر، ناهيك عن اختلاف الشعور بين الطرفين؛ من ناحية الأمان الوظيفي وبيئة العمل المحفزة والحقوق والواجبات وهذا الحال يختلف عن نظام التسكين الذي يضع الموظف في الوظيفة التي تتفق مع مؤهلاته وسنوات خبراته وللأسف هذا الأمر لم تذكره لا التشريعات ولا النصوص الإنسانية التي تحوي بين جباتها المفاهيم والأطر الضامنة للعدالة والمساواة في أداء المهام الوظيفية بين موظفي الدولة الواحدة؛ فيخضع صاحب العقد إلى الرقابة الشديدة ويتم التراخي مع الموظف توظيفًا مباشرًا؛ بحجة أنَّه لا يوجد مشرع ولا قانون يجيز إنهاء خدمات أي موظف أو موظفة لا يكترث بالعمل في التعيينات المباشرة إلا في الحالات النادرة ولها قوانينها التي لا تحدث كثيرًا.
أجد من خلال ما ذكرت أنًّ الوظائف بالعقود رغم أهميتها في بعض الأحيان لضمان استمرارية العمل بصورة متقنة من مبدأ الثواب والعقاب وضمان تقديم الخدمات بصورة واضحة ولها دراساتها التي تندرج تحت الإصلاح الإداري للعنصر البشري بالكفاءات والرفع من مستوى الخدمات الإدارية والفنية وقد طُبقت في بعض الدول، لكنًها لا يمكن أنًّ تمايز بين أبناء الوطن الواحد الذين يعملون تحت سقفٍ واحد وفي مؤسسة واحدة من خلال الحقوق والواجبات وتشملهم ذات المهام والأعمال؛ أي بمعنى ينسجم الموظف مع بيئة العمل أكثر حال وجود نظام واحد عادل يُطبق على الجميع.
وقبل أنَّ أختتم موضوعي هذا الخاص بأصحاب العقود من أبناء الوطن أردتُ أنَّ أطرح هذا التساؤل الذي بدأ يؤرقني كثيرًا كإنسان يكترث بأخيه الإنسان وهو من الذي يضمن عدم إيفاء شركات القطاع الخاص التي يديرها من خلف الأسوار الوافد تحت ذريعة الكفالة العُمانية وكيف يتم تحقيق العدالة في المجتمع الوظيفي لأصحاب العقود مع نظرائهم في الاستحقاقات وكيف يتم احتساب السنوات التي انقضت من عمرهم الوظيفي؟ وكيف وكيف...
وكأن لسان حال الموظفين بالعقود يقول: من ذا الذي ينصفني من نير التعيين بالعقود في مؤسسات الدولة؟
الحلول بالتأكيد موجودة وضامنة للعدالة في المجتمع الوظيفي حال ثمة جدية في التعاطي مع مثل هذه القضايا مع الأمل أنَّ يلعب مجلس الشورى الدور الرئيس لحلحلة هذه القضية وغيرها الكثير من القضايا التي لا أتمنى شخصيًا أنَّ يطول بها الأمد.
تعليقات
إرسال تعليق
مؤكد تعليقاتكم محل اهتمام