في عصر الكورونا الطائــر العُماني "عامر الهاشمي" يحلق في الرحاب التركية


ليس مهمًا أنَّ يطلق عليك لقب رحالًا؛ لأنك خرجت من القطر الذي تنتمي إليه مرات ومرات، ليس مهمًا أنَّ تتجول في الدول التي تخترق بيوتها وأزقتها وتعتلي جبالها وتمتطي أسرجة خيولها عند كل سانحة؛ لكي تُعرف بين الأنام أنّك أحد الرحالة الذين لا يشق لهم غبار وتنهال عليكَ الأضواء وتلتف حولك العدسات وتطوقك الأقلام الباحثة عن أي شيء يوثق لحظاتها، ليس مهمًا أنَّ تكتفِ باعتلاء منصات الطائرات وتحملق إلى الدخان المنبعث من محركاتها وهي تحلق في أعالي أعالي أعالي السماء وأنتَ لست مدركًا أهم أساسيات السفــر وحجم الفائدة التي تظفر بها خارج المعمورة المنتمي إليها؛ لتعود محملًا بغنائم المعرفة واكتساب الثقافات "تغرب عن الأوطان في طلب العُلا وسافر ففي الأسفار خمس فوائدُ/ تفريج هم واكتساب معيشة وعلم وآداب وصحبة ماجدُ". 

اندفعت فجأة ودون مبررات تذكـر على الرصيف المقابل لمركز القبائل بمنطقة "جال" في بوشر وأنا أحدقُ إلى الوميض المنبعث من هاتفي وكان عقلي معلقًا بالحذاء الذي أرتديه لأداء التمارين العصرية في أي مساحة خضراء تطيب لها النفس؛ بعد محظورات زمن الكورونا، انهالت عليّ بعض المدونات المرئية والصور الضوئية التي أدهشتني فعلًا وأشعلت فيّ الحبور من  الزميل العزيـز الرحال عامر الهاشمي الذي جمعتي به المستديــرة ذات زمن في شاطئ القرم والشاطئ ذاته وقع ضمن قائمة الشواطئ التي منعت اللجة العليا المعنية عن مرض كوفيد 19 ممارسة الرياضة فيها؛ في العام 2020،الذي أطلقت عليه عام الحرمان لعشاق السفر والترحال والحالمين بالهدوء خارج مربعات الصخب، وككل الزملاء الذين جمعتني بهم الصدف؛ باختلاف المعطيات والظروف كان الرحال الصديق عامر الهاشمي يفتح عينيه كل صباح يتبادل معي الرسائل دون أنَّ ينبس أحدنا ببنت شفة وكنت وفي قائمة المرسلات الصباحية والمسائية في هاتفه النقال ولا أخفيه سرًا فإن الرسائل التي تقبل عليّ منه؛ كديمة عابرة أستظل بها يومي في صيفٍ حار تلستعني فيه حرارة الأجواء، وككل اللحظات الجميلة وبدون موعدٍ سابق التقينا في صيف صباح جميل في الفناء الخارجي لمطعم أبو سعيد في بلاد الابتسامة "تايلاند" وكانت الدهشة الجميلة التي أضفت على يومي كثير من الجمال، لوحت بيدي في غير اكتراث وعلى إثرها دلقت النادلة فنجان القهوة، وبين الصمت الذي أطبق علي ورائحة القهوة أحسست بالخدر يسري إلى عروقي، اتسعت عينا عامر في ارتياح، تبادلنا النظرات في صمت وكان دخان الشيشة يتماوج في الهواء، استرق السمع إلى صيحاتي وهتف قائلًا: سبحانك ربي، نحن لا نلتقِ كثيرًا في عُمان خارج نطاق المستديرة كرة القدم، يا لحسن الطالع عندما شاءت الأقدار أنَّ تجمعنا الصدف خارج الدانة العُمانية مسقط العامرة، وحينما مشينا على أرصفة مدينة الخطايا كانت الخطوات تجثو وتفرش الضحكات وتوطد العلاقات بيني والرحال عامر الهاشمي؛ وشتان بين اللقاءات المجدولة وهذا اللقاء الذي جمعتني به الصدفة، في تلك اللحظة هناك في مسرح السفر، حيث الصخب أجد في نفسي الحاجة إلى إنسان يصحبني إلى أي مكان ولتكن كولان آيلاند وجهتنا، تركت مدينة الخطايا وقفلت عائدا إلى وميض هاتفي، ولكم أذهلني الهاشمي وهو يخصني بهذه المدونات المرئية وهو في "تركيا" عابرة القارات التي تقع بين قارتيّ آسيا وأوروبا، لقد آثر الهاشمي أنَّ يضعها ضمن قائمة رحلاته في عصر الكورونا، متجولًا في مدنها ذات المخزون العمراني، متمعنًا في هندستها المعمارية التي أقيمت فوق أنقاض الدولة العثمانية، متفحصًا في حضارتها التي التي سخرت لتكون قبلة للزائـرين من سائـر أقطاب العالم، فأخرج حقيبته الصغيرة وأدوات السفر التي ترافقه ليحط رحاله عبر الناقل المحلي "الطيران العُماني" وحيدا  في أسطنبول، يقلب صفحات الدهشة هناك في قلب الجمهورية التركية ومركزها الاقتصادي والسياحي والثقافي ذات المعالم التاريخية والثقافية، متجهًا بعد ذلك شطر طرابزون ثاني أكبر مدينة في منطقة البحر الأسود، ذات الطبيعة الخلابة والجبال الخضراء السامقة والغابات الواسعة، موليا وجهته بعدها إلى بورصة إقليم مرمرة السياحية الصناعية التي ترمق جبل أولداغ الملفع بالثلج وهي رابع أكبر المدن التركية، زاحفا بعدها عبر الرحلات الداخلية إلى إزمير المعرض التجاري والصرح العلمي، مرحبًا بقضيفة الإسكندر في أقصى الغرب التركي وفي أنطاليا جبال طوروس وعلى أعقاب مدينة أوليمبوس وكمر يخصني الرحال الهاشمي بمجموعة من المدونات المرئية والصور الضوئية أعقبها بمسامع صوتية في لحظة جحظت فيها عيناي وانكمشت معها مقدمة جبهتي، ولبرهة من الزمن قبل أنَّ أديــر مقود سيارتي مجددَا أطلقت صيحة هادرة ظلت الطريق أشعلت فيّ فتيل السفــر وحركت خبايا التمعن في الشعوب والبلدات. لربما سيرافقني الهاشمي ذات وقت لنرسم خرائط السفر في وجهتنا القادمة بعد انقضاء عصر الكورونا المشؤوم!

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

حكايات من عينت والشطيفي؛ جولة في تخوم مطرح

من باحة سيدي أبو العباس المرسي إلى بيت ريا وسكينة

بين الشخوص والأمكنة، تجوال في أحياء بلدة بوشر