بين الحكاية والحكاية؛ رحلة إلى السلّ.
السبت ٢ مايو ٢٠٢٠م
وعلى مفترق الطريق الذي يخترق "لجل الشمّ وأشجار الفرفار والسرح في ساقية الفلج وأنا أمتشق كاميرة هاتفي الهواوي، محدقًا في جبليّ العوينة وقني، توقفت على ناصية الدهرِ عند انبّلاج فجرِ الذكريات، تسوقني قدماي إليه، أذكره ورفاقي كل حين، نعودُ بالحنينِ سويعات إلى تلكَ الأيام؛ عندما كنا نلعب في ملعب القطويّة، ذلك الملعب المعفّر بالتراب، المفضي إلى مزرعة المعمورة عندما نتجاوز شباكه بعد ركلنا الكرة، ومن الواجهة نتجاوز الشارع الترابي الموارب على عابية المهيرمية، أُخطُ بقلمي في دفتر ذكرياتي؛ حكاية من حكايات الزمان، منذ أعوام وأنا أسفح الأيام فالأيام، منذ أعوام وأنا أتلمظ حبوبًا لمنع الذاكرة المتخمة بشوقٍ إلى شيء من بقايا الأيام وقد يلوم البعض الماضي وربما لا تروق له تلك الحكايات أو لا تعنيه وله ما أراد.
منذ أعوام أنتعل الماضي ليعود الحنين لحظة ولحظات إلى صور غائبة لم توثقها الكاميرات ولا شبكات التواصل، لنرشقها في تويتر والأنستجرام وفي صفحة مارك الزرقاء الفي سبوك ليعيد تذكيرنا بها بعد عامٍ وأعوام، منذ أعوام والخطوات جاثمة إليه، منذ أعوام ومشاعري تهفو إليه في لحظات لن تنتّسى، فإن أثقلنا على الذاكرة بنسيان الأمكنة والأحداث، فمن لي بذلكَ الذي يُثقلها بنسيان الشخصيات التي سكنت المكان، أتدرون من ` ذا الذي يسكن ذاكرتي الآن؟
انه "السّل..
السّل.. للمكان فتنة وله بهاؤه أيضًا، جبال شمٌ شاهقة مزدانة بألوانها الحمراء، الموشحة باللون اللازوردي المشوب بزخارف الماضي تحيط به من كل مكان، بقيّ صامدًا كأنه شيدّ ليبقى للأبد، حيثما ولّينا تتلقفنا الجبال قطعانا وهو هناك يأخذ زاوية ومساحة كبيرة تشق المكان للوادي، بها حجارة بين الصغيرة والكبيرة، رغم إتيان مياه الوادي المختلطة بأنواع الأشجار والحجارة بأحجامها عليه ورغم أنك وأنت تطالع عليه منذ الوهلة الأولى تراه وقد شارف على الاندثار وقد تكلست جدرانه.
جبال مهيبة فاتنة بين جنبات الوادي وكأنها تطبق عليه، انه "السّل" كما يحلو للأهالي تسميته وهو عبارة عن جدران اسمنتية طويلة, مستطيلة الشكل تنسابُ منها المياه انسيابا، هناك حيثُ العيون ذات المياه الساخنة وهي تخرُ من الجبال لتمر على هذا المكان الذي شُيّدَ ليكون ملاذًا آمنًا من الحجارة المستاقطة من قمم الجبال المحيطة، وحافظًا لجريان المياه عليه مغبة أن تقع عليه الحيوانات المارة للبحث عن الكلأ والمرعى.
يمتازُ السّل بحرارة المياه فيه في أغلب فصول السنة؛ ليقصده الأهالي في فصل الشتاء على وجه الخصوص، وهم يرشون أجسادهم رشات الماء الغنية بالمعادن التي قدّ تتشابه في خصائصها مع المياه المنساية من شلالات حمامات ماعين في المملكة الأردنية الهاشمية، ثمة طرائق عديدة يعتمد بها الأهالي لرش الماء على أجسادهم بغرض الاستحمام والاستشفاء من السّل؛ أهمها استخدام القدح المصنوع من المواد الخام البلاستيكية وقد يقول قائل أن السل بالمصطلح الإنجليزي هو خلية.
تعليقات
إرسال تعليق
مؤكد تعليقاتكم محل اهتمام