يوسف الزدجالي يطوي صفحة البلديات ويفتح أجمل الصفحات

يحيى المعشري 📝
@ysk243
صورة تجمعني بالعزيز يوسف الزدجالي 
يوسف الزدجالي يطوي صفحة البلديات ويفتح أجمل صفحات الحياة

عندما فتحت ذراعي لأصافحه أول مرة في أحد ممرات البلديات لم يمد ذراعه ولم يمد كلتا يديه مرحبًا بي كما يفعل المستضيف بالضيف عندما يحل به ضيفًا لأول مرة، بل فتح قلبه وعقله وروحه؛ فابتسامة عابرة منه كعادتها يصبح الغريب قريب وتنحسر أمامها الرسميات، وفي أولى الانطباعات تنعكس لديك ثيمة أولية قلما تجدها في زمن لا يعترف بأبجديات التعامل وفي تلكَ اللحظة الفارقة أفاض عليّ أبو أمل بعبارات الترحيب وحفاوة الاستقبال، ولا غضاضة في ذلك التعامل منه،؛ فأبو أمل إن لم يكن أحد أعمدة البلديات فهو أحد أهم أعمدة العلاقات والتعاون الدولي في البلديات.
صورة جماعية لموظفي دائرة العلاقات والتعاون الدولي رفقة المحتفى به يوسف الزدجالي. 
ومنذ تلكَ اللحظة من بواكير العمل لي في البلديات كان أبو أمل أحد الذين يستقبلهم قلبي وعقلي بتواد؛ فأحاديثه لا تُمل وحكاياته التي اكتسبها من علاقاته في العمل أعطته بعدًا تكونت معها شخصيته اللطيفة، فكان حريصًا على أن ينقل لنا ما لا يلج تحت إطار أسرار العمل، ولأن المناسبات الوطنية ترخي انطباعاتها علينا بكل ما تحمل في طياتها، وعلى شفير الأدوار النهائية في كويت الصباح فقد تشرفت أن التقيه في سوق المباركية ذات وقت، حينها كان الوسط الرياضي العُماني عن بكرة أبيه يتنفس في سوق المُباركية ومن أول وهلة في لحظة دخولي مقر الحضور العُماني في سوق المُباركية؛ أقبل عليّ أبو أمل وهو في حِمى أسرته، فكان اللقاء لا يحتاج إلى احتضان ولا يحتاج إلى عناق؛ فبعض اللقاءات يكفينا منها لحظات الفرح عند رؤية الزملاء في جغرافية خارج عن طوبوغرافية الوطن، فالأنقياء حضورهم دفء ووداعهم تأبين.

بدأنا نجر الأحاديث تلو الأحاديث في مضمار العمل، إلى حيث أتى أبو أمل عبر بوابة البلديات في نهاية ثمانينيات القرن المنصرم وكانت استهلالاته الأولى في الثالث والعشرين من شهر ديسمبر من العام 1989م، بوظيفة كاتب فني ولم يمضِ من الوقت عامًا أو ربما شارف على العام قبل أن تطبق عليه وظيفة منسق توعية في العام 1990م، وتدرج في مقصورة البلديات وبين الدورات التدريبة والملتقيات في الوظائف إلى أن كبرت مسؤولياته ليكون رئيس قسم التصوير والرسم في العام 1994م وتتابعت المهام الوظيفية عليه وكان لا يبرح أن يعمل في وظيفة ويعتاد وتعتاد عليها سليقته إلا ويفاجأ بقرارٍ آخر يضف في سلمه الوظيفي الرصيد المعرفي والمهني، فأقبلت عليه وظيفة رئيس قسم المنظمات الإعلامية في العام 1996م ولأن التنويع الوظيفي شيء من المسلمات وهو يدين البعض ومنهم العزيز أبو أمل استشعر أنه يميل إلى الوظائف الإدارية لربما فيها محطته الأخيرة ولربما يجدُ فيها ضالته ويجد المآل الذي يحتضنه فيتبادل معها ذات الشعور فكانت وظيفة كاتب شؤون إدارية في الدائرة، وبين الإدارات المختلفة فقد تناوبت عليه إدارات وإدارات، ومن محطة الأستاذ عبدالله المسن إلى الأستاذ أحمد التوبي، إلى الدكتور هاشم البلوشي، إلى الإدارة الأخيرة التي رافقته في مشوراه الأخير في البلديات الأستاذ محمد النصري. وخلال هذه الإدارات تشرب أبو أمل من الدورات التدريبية والمهارات الحياتية واللقاءات المباشرة التي صقلت مواهبه وأعطته الزاد الذي يعينه على أداء أعماله بسلاسة ويسر.

اللقاءات تلفظ اللقاءات والعودة إلى الوطن والأحاديث الشائقة عن لقاءات الغربة بين أروقة البلديات حكايات لا تنتسى، ها هو النور الجديد سيقبل عليكَ يا أبى أمل وها هي الحياة المفعمة بالجديد ستنتشلكَ من تيه العمل وزحمة المسؤوليات وتعب الأوامر وستطوي تلك الصفحة وتؤبنها وستشرق نهاراتكَ وتمحو الهوامش من صفحاتك؛ لتسافر وتقلب صفحات العالم وتكون أنتَ الريموت كنترول الذي يتحكم في حياته، هكذا كنتُ أحدثه في مكتب عيسى الزدجالي الذي كان يسامره عن دنو طيّ صفحة العمل هو كذلك، فقد تحلو الأحاديث الصباحية في مكتب عيسى الزدجالي؛ لــ نعيش أصبوحة الذكريات مع العمل وندماء العمل هذه المرة، لقد تداعى كل شيء، قال عيسى الزدجالي: نعم لقد تداعى كل شيء عرفته وكان أبو أمل منصتًا يرهف السمع كعادته بهدوئه المعتاد، اعتدت أن أهرع إلى مكتب عيسى الزدجالي عند معرفتي بوجود أبي أمل وهناك وبلا إرادة تتعالى أصواتنا، فلربما بقبح التصرف مني تنزعج الدكتور انتصار ويخامرها ذات الشعور الذي يساور الزميلات إيمان ونصرى ولأن الأحاديث مع أبي أمل لا تُمل ولا ينوبها السأم وقد يحتدم الجدال في خِدر الرقابة الصحية والصرف الصحي؛ فيمن يستبق الآخر للإجابة على كلمات المربعات ذات اللونين الأبيض والأسود في جرائد الوطن وفيمن يستبق الآخر للإجابة عن سؤال يعبر القارات أو صورة لممثل أو ممثلة راحلين عن الخليقة، انحدرت إلى العلاقات والتعاون الدولي متجاوزًا دائرة التوعية والإعلام أدحرج رأسي وعيني على صورة أُلصقت في الجدران، فليست الجدران من احتضنت الصور ولا الصور من رحبت بالجدران، أبحثُ عن النصري مدير الدائرة أو ربما أجد بدر الريامي أو خلفان العامري ولربما أتصادم مع محمد العامري وأحمد الحسني أو إبراهيم الغماري؛ فأتحدث معه عن الدوري الإسباني وعن مغامرات ميسي ورفاقه، أسيرُ بخطى متثاقلة وتستقبلني غرفة المونتاج فلاح لي طيف عبد الباسط البلوشي وجمعة البلوشي وقبل أن أدنو من أبي أمل لأسلم عليه السلام الأخير قبل أن يفتح صفحته الجديدة ومغامراته الأفضل في مراحل الحياة وقلت له، حتى نحن سنكبر إلى أن نصبح العجوز الذي أنهى مسيرة العمل الحكومي، لكننا نتجدد في البنيان ونبني الطوب فوق الطوب، كانت أحاديث لا تخلو من الدعابة والقهقهات التي تحدث بين الأصدقاء، قال بدر: هذا الأمر لم ينل من أبي أمل ولا يحد من عزيمته الوقادة، قلت له: لا عليكَ يا صديقي كلنا في الحياة مهاجرون، كلنا نعبر على شطآنها ونرسم على اللوحات ألوان زاهية وندية، كل ذلك ولم أرَ أي امتعاض منه يومًا ولا تكدر يلطخ قسمات وجهه ولم يكن متبرمًا ولا عابسا، لم أره يصدر فرقعة مكتومة كما فعل راسكولينكوف الشاب العشريني في رائعة دوستويفيسكي رائد الأدب الروسي الجريمة والعتاب، لم يصحو من حديث الرفاق في حفل التكريم فكنت أحدثه عن البلديات واستراحاتها وأقاليمها. 

ستفقدك الندوات التي كنت تعدها والمؤتمرات التي كنت شاهدًا عليها وستغيب عن متابعاتك وتحسس خطواتك أزقة مطار مسقط وستسأل عنك خطوات المسافرين المرحبة والمودعة في ظلمات الليالي وإشراقات النهار، ستمتعض من غيابك فنادق البلديات واستراحاتها ولربما الفرش الوثير الذي كنت تختاره للرفاق سيكون شهادة حق على حضورك وتفانيك في تأمين السلام الداخلي لهم.

زادت خطاي إلى الدور الرابع يا أبا أمل فهناك أتفيأ كيمياء من مروا عليّ قبلك وبعدك وهناك أتسلق اللحظات الهانئة وأربت على أكتاف الذكريات وأصنع منها مباهج أخرى ترسم مستقبلنا ونقلب في صفحات الكتب ما يرفع شأننا ونمسد على أقلام تركانها ردحًا من الزمن لعلها تزأر وتبكي على حواشي الورق لتوقظ أيام عشناها بين أروقة البلديات. كنت طيفًا عابرًا مر علينا يا أبا أمل ونلتقيك واقع رحل عنا. ملاحق صور التكريم 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

حكايات من عينت والشطيفي؛ جولة في تخوم مطرح

من باحة سيدي أبو العباس المرسي إلى بيت ريا وسكينة

بين الشخوص والأمكنة، تجوال في أحياء بلدة بوشر