ماذا قال كوفيد كورونا؛ في غرفة البلديات، لتلقي البلاغات.
ماذا قال كوفيد كورونا؛ في غرفة البلديات، لتلقي البلاغات.
بعض من أعضاء الفريق المناوب يحيى المعشري دائرة الصحة الوقائية @ysk243
الثلاثاء ٣١ مارس ٢٠٢٠م
هذه السطور عبارة عن بورتريه تصويري يحاكي بعض الأحاديث التي عايشناها من وجهة نظر قاصرة؛ تعبر عن شخصي؛ في ظِلّ جائحة كورونا كوفيد (19) التي بدأت ملامحها بتاريخ ١٨ مارس ٢٠٢٠م إلى ٣١ مارس ٢٠٢٠م ) وتستمر باستمرار الحالة لا قدر الله، رحلة عمل قضيتها في غرفة تلقي البلاغات بمبنى وزارة البلديات الإقليمية وموارد المياه بالخويــر، رفقة زملاء وزميلات العمل، مهمتنا تجسيـر العمل بين المواطن الكريم الذي دائمًا وأبدا في قاموسنا هو المُصيب وهو المُحِق؛ فهو الذي يتقصّى البلاغات ويزودنا بالمعلومات، وبين زُملاء البلديات في الميادين، الجنود المجهولين، قبعة واحدة لا تكفيهم؛ لأرفعها لهم، تحية إجلال وتقديـــر لعملهم وحسّهم الوطني الذي أبلوه وهم يتنقلون من موقعٍ إلى موقع، معرضين أنفسهم للمخاطر، قاطعين المسافات من ولاية إلى ولاية، هيا معي يا رفاق، فلنحزم الأمتعة ولنبدأ شجو الحديث بفاتحة الماغوط.
أنا خائف.. ممن؟
من العالم؟ أنـا العالم، من الجوع؟ أنا السنابل، من الصحراء؟ أنا الطفولة، من القدر؟ أنا خائف أيضًا!
مدخل
كان بصري معلقًا في تلك المساحة الموشحة بالضياء، يرمق الحماسة الآتية من تيه كوفيـد (19) كورونا، يبحث عن شيء يتعرف عليه في الغرفة، أمعن النظر في اللاشيء، بون شاسع يعتلج مشاعري بين الممر المفضي إلى مكاتب الشؤون الفنية ودرج الصعود إلى غرفة تلقي البلاغات، إلى المعقول الذي يشدني لرفع سماعة الهاتف، كانت مكالمة من المكالمات التي تتوافد على زملاء فريق تلقي البلاغات أو الطوارئ كما يحلو للبعض تسميته، تبدو مهمة كأهمية أي اتصال نستقبله بروحٍ وثابة وأمل قادم بانجلاء الحالة الطارئة، يتقدمني الزملاء والزميلات في كل مرة، هكذا تبدو الأمور في الغرفة، رأيتهم وكأنهم جيوش من النحل ينسلّون من بين الممرات، يلمحون الوميض المنبعث من أقصى اليمين الذي ترسله هواتف الأفايا الأمريكية. يسترقون السمع إلى أصوات المفزوعين، يزرعون من جذوة النهار بصيص أمل قادم لا محالة.
رنّ الهاتف بسرعة صوتِ صخورِ انحدرت من أعلى فالقٍ عظيم، هرعت إليه مسرعًا؛ متعطش لسماع صوت أحسسته يناديني من بعيد، كان يقيني أنّي لا أعرفه، لكنّي أسمعه يحادثني بأمر ما في الخفاء، كيف تبدو الأمور يا سيدي المتلقي؟ هكذا قال: ران الصمت برهة من الوقت، وجوم يعاقر أحاسيسي، ترَ هل أجيبه بذات سرعة السؤال الذي أسقطه على مسامعي، أم أكتم ذلك في سري، هتفت بصوت متهدج غير مسموع مخاطبًا كوفيد كورونا: لن تطول مدة بقاؤك يا كوفيد في عُمان فقد تناثـر أبناؤها في ثغور الوطن ليقفوا جدار صدّ فيشهدوا جنازتك في مشهد عظيم؛ بدءاً من مسقط العامرة إلى مسندم الصابرة وقد تقاسموا المهام كلٌ في خط سيره، راسمين الأمل والرؤى والطموحات، فالقطاعات تختلف والمهام تختلف ولأننا نصنف أنفسنا من الجنود المجهولين في الذود عن حياض الوطن، فقد شاءت الأيام أن تقذفني الأقدار بين أحضان فريق غرفة تلقي البلاغات وشاءت الظروف أن أجد أصحاب وأخيار من صنوف الأطباع ومن مختلف الولايات؛ تجمعهم حكاية واحدة وهواجس واحدة؛ عُمان في أي مكانٍ وزمان.
وفي حين الجميع وقف على أهبة الاستعداد؛ نظير الأخبار التي يتلقفها الزملاء والزميلات عن حكاية أخرى تعفر بها العالم هذه المرة وحكاية أقحمت عُمان كسائـر البلدان في تفاصيلها، إلا أن عُماننا يبدو ضررها قليلا قياسًا بما تعانيه دول البوارج والمكوكات الفضائية وطائرات السوخوي والصناعات العملاقة والكاتدرائيات التليدة ما أنزل الله بها من سلطان، الأوطان بحدودها المغلقة؛ كعرينِ الأشباح تُعرض في المزاد بأبخس الأثمان، الرأسمالية تحدت الأخلاق وقواميسها.
سقطت التعليمات علينا غير مرغمين بأن نكون ضمن الفريق الذي لا يحتضن كوفيد كورونا ولا ينتظره انتظار البائس الخانع، بل أتت التعليمات أن نقف لحمةً واحدة في وجه العدو القادم من خلف العالم الهُلامي، هذا العدو الذي أرعب قامات وهامات ضنّ على العالم بما جادت عليها الحياة من قوة وعتاد واعتقدت أنها من يملك الحظوة وأنها التي تسير على حراشف الضعفاء دون النظر إلى الأسفل، فالسقوط الذي سيدميها سيؤرشف في ملفات التاريخ.
لم أفاجأ بخبر وقوعي ضمن صفوف فريق تلقي البلاغات الذي يتولى تهيئة التعامل مع الناس قبل توجيه الملحوظات إلى الزملاء في البلديات من ثغور عُمان في أقاليمها ولم أستغرب بأن توجه إليّ حبال المساعدة لتلقي البلاغات من غرفة الطوارئ التي تهيأت لتكون حاضرة في ميادين التحضير؛ للتصدي عن الخطر المحدق الذي أرعب العالم وارتعدت له سرائــر أقوى حضارات الشرق والغرب، ولأننا جزءًا من المنظومة التي ينبغي أن تكون حاضرةً للدفاع والهجوم كما أراد الرفاق أن يصنفوها وهم يهمّوا على دراسة مفاهيم اللجنة العليا المكلفة ببحث آلية التعامل مع التطورات الناتجة عن انتشار فيروس كوفيد-19) كورونا، فالتدابير الاحترازية التي اتخذوها لم تكن مجرد تعليمات تتلى من دساتيـر يتلقوها من الأعلى منهم وظيفة وإنما قرأوا وتفحصوا في تفاصيل التفاصيل وعلموا أن غُرف الطوارئ ليست طاولات وكراسٍ تصطف فوقها الفناجين والأكواب وبسكويت لبنـز ولا شطائــر الأحاديث الطوال الداخلة في مفاهيم الظواهـر الصوتية التي لا نرَ منها غيــر أحاديث المنظرين المنمقة وتراكيب المصطلحات وتناغم الكلمات المفرغة، ومن أول وهلة ونحن نباشر العمل في غرفة تلقي البلاغات، نسمع لجبًا وضجيجًا وتلاطم هواتف واستفسارات وقد كان الشعور الذي يسكن الزملاء حينها أن القلق يساور الجميع وأن المتصل الذي أرعبه كوفيد كورونا بحاجة إلى أفيون التلطيف الذي يخفف عنه وطأة الأخبار ورعب التقارير الدامية، فالعالم بأسره يعيش الخوف والأقدام تسابق الأجساد للظفر ببصيص أمل في الحياة، فأي هلع سكن الناس وأي أوكسير تحلّى به زملاء البلديات وهم يتلقفون الاتصال تلو الاتصال، كان وجهي المتهالك يتململ بين النوم والصحو وكان من البديهيات أن يأتي اللّوم قبل الشكر فالقرارات التي أتت بغتة قصمت الظهور وأرهقت العقول والأبدان، ولأن الفِطرة التي جُبِل عليها البعض والسليقة التي تتمتع بها ذات الزملاء وأحمد الله أنها هكذا كانت؛ فوجدت أنهم مقبلين للتخفيف عن الناس كما يُقبل الطبيب في أسرّة العلاج على مرضاه وهو يعلم تمام العلم أنه لا يمتلك تلك العصا السحرية التي يربتُ بها على مريضه ولا بيده المصل الذي يتقاطر على ثغر المُبتلى فيبرأ منها ولا يمتلك التمائم الميتافيزيقية التي تناغي العقل الباطني في حضن "الباصرين" الذين شغلوا الدنيا ولم يقعدوها.
لم يبرح زملاء المناوبة الصباحية مكانهم منذ بواكيـر الصباح إلى أن يعبث الليل بالنهار في الأيام المتتابعة وهكذا دواليك تنسلخ الأيام عن الأيام وقد تمنطقوا سلاح الحصانة والحصافة التي مكّنتهم من تمريــر ما يملكون من معلومات وأبجديات في كيفية تسيير غُرف البلاغات، فالخبرات الحيواتية والخبرات التي تشرّبوا وتشبّعوا بها في أروقة العمل وميادين العلم أعطتهم الطرائق الناجعة التي يستندون إليها في مواجهة الأزمات، ولأننا نعيش الآن في أوج المشكلة وقوتها لم ألحظ شيئًا يدنو منهم لينال من عزيمتهم ولا يرجئ هممهم أو يقترب من شوكتهم وعزيمتهم، وعندما يحين موعد تبديل المناوبات تجدهم يتبادلون النصائح ويشتركون في الرد على الاستفسارات والبلاغات، فلا يعترف أحدهم بكيمياء الوقت الآفل ولا فيزياء ترك ما لا يعنيك؛ فالهدف واحد والمبتغى واحد، سأذهب إليهم بين الفينة والفينة، أنهض من النوم مذعورًا على صوتٍ يناديني، أيمكنك المساعدة يا سيدي، أيمكنك الحضور ولو لساعات نقضيها بين خيوط الأحاديث المندلقة والضحكات، وأنا أحدق إلى من أسعفتني الظروف التقابل معهم في ساعات الطوارئ، أقفُ مشدوهًا إلى تلك النظرة الحائرة التي يرسلها هذا وذاك وهو يستقبل مكالمة أحد المواطنين الذين آلمهم خبر تجاوز البعض من أبناء جلدتنا؛ حينما شرع على غلق نشاط الحلاقة الذين يشرف عليه من بعيد وقد أخذ من بيته أو بيت العامل ملاذًا ذميمًا يتيح لعامله أن يمسد بيديه على ذقن هذا وينفض خصلات الشعر المتطايرة عن ذاك، وتلكَ التي سمحت من سكنها أن يخالف قديسات الأنظمة ومرامي القرارات وبدأت باستقبال الفتيات في مخدعها فأوصدت الأبواب وأسدلت الستائر؛ لتبعد الأنظار عن عين الرقيب وتبدأ بمزج الحناء ووضع المساحيق ولم تعلم ويعلم هو أن الأفئدة التي تتقاطر عليهما لربما تحمل معها شبح جرثومة كوفيد كورونا القمئة، وعندما يفرغ الزملاء من هذا البلاغ نرفع السماعة الأخرى فكانت صيحة مكتومة تطلقها أم مكلومة تبدئ خوفها على أبنائها الذين يراوحون التجمعات الشبابية في رحلة يومية لا تقل في خطورتها عن سالف ما ذكر، تحاول إرجاء ذهابهم؛ ليبقوا في خدرها، فكان لزامًا وأنا أشاهد السماعات في رسغ الزملاء والزميلات أن أزيل الحواجز والرسميات، بدأت أضع سيناريوهات (كوفيد-19) في صفحتي عبر الصفحة السماوية تويتـر، فلا يمكن أن أستسهل أي اتصال يردهم ولا يمكن التهاون في أي بلاغ أو شكوى، وأنا أدنو من أحدهم وهو يرمق الطاولة المائلة إلى الاصفرار، الطويلة وكأنها المدى البعيد وبيده اليراع الذي يحشو بمداد حبره على الورق واضعًا بلاغات شركات الامتياز النفطية والشركات الاقتصادية، عين على وجوه الزملاء المليئة بالعبرات ويصيخ السمع إلى صوت المواطن المبحوح وهو يحدثه عن استشعاره بحجم الخطر، على المطاعم المشتركة "الميز" التي تحوي على آلاف العمال ومن مختلف السحنات، على السلوكيات والممارسات اللاأخلاقية، على صحون الأطعمة التبادلية وطريقة غسلها، على افتقارها إلى قليل من قليل الاشتراطات الصحية.
وفي اليوم الموالي أجلت ببصري إلى الأفق البعيد وحلمت أن شبح كوفيد كورونا تلاشى وانحسر ودعوت ربي أن يزيل عنا البلاء والغمة وأردفت دعائي بأماني أخرى آثرتُ إبقائها في مخيلتي، لعلي أستطيع إفراغها ذات وقت؛ لتكون مادة أخرى يستسيغها الرائي أحدث بها نفسي عن ما تملّكني من مشاعر لم أستطع البوح عنها في ذات زمن، دثرت مشاعري وأنا أزحف إلى مقر غرفة تلقي البلاغات، أتحسس الشعور الذي لازمني عندما أُقبل على الزملاء وهم يباشرون مناوباتهم بذات الهمة التي لمحتها عليهم في أول يوم، الجميع يستشعر حجم المسؤولية من أصغر موظف إلى أعلاهم في السلم الوظيفي- فأشحت بنظري إلى وجه الزميلة التي تلقت صوت تلك الفتاة المتهدج المليء بالعبرات وهي تسقط عليها بلاغها عن ذلك الرجل الذي أسلم روحه وأهالوا عليه التراب فأسلمها إلى بارئها وتلك الأسرة التي لم تستطع أن تمنع الجيران من تأدية واجب العزاء وكانت تتحسر على الفجيعة التي قد تحدث في حال إذا ما عصف بالمسنات والمسنين الذين لا يتحملون جائحة جرثومة كوفيد، فتحت عيني بتثاقل، أسلمت بصري إلى ضوء الشمس المنبعث من نوافذ موظفي قسم المسح والترقيم، عمال النظافة بدأوا ينساقون الواحد تلو الآخر. فأي أنين قد يسقط عليهم وماذا عن تلك الفتاة التي تتحدث بحرقة عن جشع ملاّك الصيدليات الذين يعرضون المعقمات في الطاولات الأمامية وكأنهم في ليلة العيد، وأردفت تعيد ما قالت: لماذا هذا الجشع واستغلال هلع الناس، تركتها تعيش المشهد وتُفرغ ما تريد قوله قبل أن أقاطعها قائلًا: أتفق معك بأن الأزمات تُخرج الأوفياء وتركتها معلقة ولم أشأ أن أطيل الحديث معها وماذا عن صفحة الممرضة التي أفزعت ذلك اليافع وهي تناشد وتنادي بأن نتدخل فورًا؛ لكي لا ننجر إلى طب الحروب، فنخيــر بين من يعيش ونبقيه يصارع الحياة وبين من تفيض روحه إلى عالمها السرمدي. رنّات الهواتف تتوالى والاستفسارات لا تريد أن تصل إلى طريق النهاية، كانوا ثلاثة وأنا أحدهم، يراقبون صراع الأجهزة، يسترقون السمع إلى أصداء أصوات الهواتف ووميضها، قد تأتي في حين غفوة فنفقد صوتٌ آلمه رؤية أحدهم تجاوز التعليمات، عليكَ اللعنة يا هذا، ما هكذا تورد الإبل، وما هكذا نتهاون بالأرواح، نحن لسنا في معلب كرة قدم، ننشد الفوز فحسب ونحن لسنا في ملاهي الأنس والاستجمام، الوضع فاق التصورات والوباء آتٍ لا محالة، هكذا كانت رسائلنا للأخذ بالمحاذيــر، نتنفس الصعداء حينَا ونسمع أغاني السماء حينًا أخرى، فلا يستوجب أن نعيش القلق الذي نرسله عبر بوابة زملاء الميدان إلى المخالفين، فلا زالت مزهرية الضوء تزهر في مكتب التنفيذ والمتابعة بمديرية الشؤون الفنية، وقبل أن نغلق المكالمة نختم بقول: أن تأمن لنفسك وأهلك، تصرف وكأنك المصاب لذا "خليك في البيت".
ما أشد الظلام في عيني وما أضيق الدنيا وأنا أترك جلسات الأنس رفقة الندماء في ساعة نقاء تائهة في حضرة كوفيد كورونا، تساؤلات طرأت عليه، كان أحد الزملاء المناوبين في غرفة تلقي البلاغات وكانت أحاديثه لا تمل ولا تُشعرك بالسأم، فجأة انبرى يقول: وهو يحدق في شاشة العرض المرصوصة في الجدار الأمامي، يطالعُ شريط الأخبار المتسارع وهو يجر معه الأخبار فالأخبار، فاغرورقت عيناه فرحًا على خبـر" طائرة سلاح الجو السلطاني العُماني المتوجهة إلى الشظية التي انشطر منها كوفيد كورونا ومكان البداية التي لم نكن نشعر بحجم خطرها، إنها الصين الشعبية؛ أعجوبة العالم التي هزّت عرش العم سام وأخضعت رُكب "ترامب" تحت حاملي بناة سور الصين العظيم، دبّ الفرح على محياه وفغر فاه وهو يشاهد الخبـر مرات ومرات، فبمجرد رؤية أننا بصدد جلب المواد والأجهزة الطبية لمكافحة الجائحة الفيروسية كوفيد كورونا تشعر بالاطمئنان وكنت أتساءل، كيف لنا أن نشرب من رائحة الجنة، يقال "من رحم المعاناة يولدُ الإبداع" هل بمقدورنا أن نستفيد من درس هذه الأزمة ونحذو حذو الصين ونكون من الدول الصناعية المصدرة لمنتجاتها والمسوقة لحضاراتها ونلغي من قاموسنا المورد البغيض الذي يدعى النفط، وهل سيسجل التاريخ يومًا أن المورد النفطي سيكون ضربًا من الماضي. أصداء تملكتني وتملكت زملاء وزميلات غرفة تلقي البلاغات وأسئلة أشبعت بها آذانهم وهم يتلقفون البلاغ تلو البلاغ، وهل لي بتلك الأسئلة المتوالية التي أتبعت اليوم الأول للمناوبة الأولى، كان الثامن والعشرين من شهر مارس/ آذار 2020م يومًا تعاقبت عليه تغيرات ومستجدات، ثمة أنشطة طرأت عليها تغييرات وثمة أنشطة طالها الاستثناء من اللجنة العليا التي رسم ملامحها السلطان هيثم بن طارق سلطان عُمان وقد تكون توجيهات أراد لها معالي أحمد الشحي وزيـر البلديات الإقليمية وموارد المياه وفريق العمل المكون من أعمدة الوزارة، لهم التحية والتقديــر وكان هذا الاستثناء لزامًا أن يخرج من قمقم مبنى مسقط ويشدُّ رحالهُ إلى المحافظات، الواقعة تحت إشراف الوزارة؛ ليُتابع ويأمر ويسدي التعليمات ويفتش فرسان الميدان في ثغور البلديات، ماذا عن التدابيــــر الوقائية اللازمة بمواقع تقديم الخدمة والفئات المستهدفة، كنت أبتعد عن مصافحة أحدهم وأهمس في أذنه، أعذرني يا صديقي، أنا لست أنا، هل لكَ أن تصفح عني؟ في حضرتهم كنت أقول: أتعلمون من هم عصب العمل والمحرك الأساس والرافد المهم يا زملاء، إنهم (العاملين والمرتادين)، إلى أن نصل إلى الإجراء الذي أمقته وأعتبره الإجراء الذي يسلب من أحشائي الإنسانية لولا أهمية وجوده وهو الإجراء القانوني الذي يلج في سلم الصرامة وتطبيق القرارات التي لا يمكن أن تكون غاية لأننا بطبيعة الحال لا يمكن أن نجد السعادة ولا الحياة ولا الراحة في المخالفة. رأيتنا نسبح في ضباب النوم بتتابع، مشينا نمخر عُباب الطرقات؛ قاصدين بوابات البلديات، متحفزين إلى سماع أصوات لا تعبث بأسماعنا ولا تقض مضاجعنا، نتوق إلى صوتٍ يُفرحنا ويمحو ألم كوفيد كورونا المفزع، لعل أحدهم يلقي علينا خبرٌ مفرح لا يعبث بمدامعنا، يشفق على ضعفنا ويحنو علينا، رحماك يا الله، شيئًا من ذلك لم يذكر ألبته، كأنني ظننت أني لا أريد أن أستعيد تلك المكالمات ودونما شعور أطرقننا نستفتح نغمة البداية من جديد، كانت غرفة تلقي البلاغات وكأنها أشرعة البندر، ران الصمت على المكان، حدقنا بتمعن إلى الأوراق المتناثــرة الموضوعة في ردهة مواربة، التنظيم وتهيئة الطاولة، العمال عانقوا الفجر، الهواتف تبدو معقمة، تسلل الاطمئنان إلى نفوسنا وكأننا لا نريد نغمة الوداع إلى شاطئ البحر أن تنتهِ، ماذا يخبئ لنا هذا اليوم يا ترى، نعم من المتصل، بعد الترحيب والسلام والتعريف بشخصية المستلم، قال: أعتذر فأنا لا أريد إزعاجكم، أنا ذلكَ الإنسان الذي يفيضُ مشاعرًا ويرسم في خطوات السعادة وردة، أنا الضوء الذي يُطل من شرفة الجمال، أنا لست أسوأ الحظين وأنحس النجمين، نعم سيدي المتصل الوقت محدد ونحن محكومون بالساعات، ألم ترَ إلى الساعات المعلقة في المجالس، إنها لم توضع عبثًا أو لأنها جزء من الشكليات ولا لأنها رمز نفاخر به ليل لنهار، تفضل سيدي نحن هنا لخدمتك، أتعرف ماذا يعني مفهوم "خيانة وطن" أنشد يقول: تفضل سيدي فأنا لا أحتمل الأحجيات، قُل ما لديك ولا توقعني في حبائلك، وأتبع حديثه بنبرة صوتٍ عالية، دخلنا مرحلة النقل المجتمعي لـ فيروس كوفيد كورونا ونتوقع زيادة الحالات خلال،! لحظة سيدي المتصل أرجوك توقف إلى هناك، خلال ماذا؟ توقف نعم عليكَ أن تتوقف لألتقط أنفاسي ونغمة صوتي الشجية، لست متأهب لسماع خبرٌ مفزع يا سيدي المتصل، قال: أخي ماذا تقول في المواطنين الذين يتسللون خلسة إلى سكن الحلاقين، أعرفهم فردًا فردا وأعرف رتبهم ومناصبهم وأعرف من أي بيتٍ ينحدرون. تم تقييد البلاغ. لماذا لا نلزم منازلنا ونعمل عن بُعد، لماذا لا يكون الكتاب رفيقنا ونحضر دفترًا وكراسة رسم ونضع عند مدخل كل بيت عبارة "خليك في البيت".
لم يرتدوا البزة العسكرية ولم يعلقوا مِعطف أيقونة الشفاء؛ الأطباء، لكنهم ثابروا ليكونوا الصوت الخفي في معمعة الأزمة، أُحجيات فرسان البلديات، سواء في الميادين أو في غرفة تلقي البلاغات بوزارة البلديات الإقليمية وموارد المياه، عاشها أعضاء الفريق منذ الأسبوع الأول إلى هذه اللحظة التي يعبث بها قلمي على مساحة البوح؛ هنا. ملاحق صور لبعض الزملاء المناوبين في غرفة تلقي البلاغات على مدار الساعة.
سندهم.. بالتزامك
تعليقات
إرسال تعليق
مؤكد تعليقاتكم محل اهتمام