التدخين، بين المثقف والمسؤول والباحث عن النقاء!

قبل أن أشرع في كتابة هذا الموضوع الذي بدأ يتداول كثيرًا عن السيارة المتنقلة في واجهة مطار مسقط الدولي والتي يُحشر بداخلها قنابل من الدُخان والمشروبات الكحولية، انتابتني مشاعر عديدة تجاه ردود الأفعال التي قد لا تأتي من تجّار بيع الدُخان والتبغ والمواد المدخنة الأخرى فحسب، بل من المدخنين أنفسهم وأشدها في ما إذا ما كان المدخن مسؤولًا أنيطت إليه مهمة محاربة التدخين بكافة السبل والطُرق من خلال موقعه الوظيفي؛ وذلك من خلال سن القوانين والتشريعات أو المتابعة الميدانية في المواقع التي تُعرض فيها هذه السموم، ولأن التجاوزات لا تأتي جزافًا ولا تأتي بغتة دون دراسة وتمحيص كما هو الحال في الجوانب التطويرية والابتكارية، فلكل فن فنونه وأصوله، فأسوق ذلك إلى القول الشهير "لمن تشتكي حبة القمح، إذا كان القاضي دجاجة"، فأُسقط هذا القول على العديد من المواضيع والكثير في مفاصل الحياة ومراحلها؛ بهدف الحد من السلوكيات والممارسات التي يتعمد المعني بالقرار تأجليها وتسويفها بحجة أنه أحد الذين يمارسون الفعل وتبعات القرار قد تشمله وتطاله وعندما نسقط المقولة آنفة الذكر على المسؤول المدخن ليس من المرجح أن يخالف الفطرة التي جُبل عليها إلا عندما يؤوب إلى الجادة، والشيء الآخر إذا ما كان من يُعاقر التدخين بشتى أنواعه هم من فئة المثقفين والمفكرين والمهتمين بالشأن الثقافي وهنا تكمن الصعوبة وتزيد من تفاقمها، حيثُ إن المثقفين والمفكرين مهمتهم ليست الكتابة والتلاعب بالألفاظ وتوجيه الجمهور المتابع إلى أفكارهم وأقوالهم فحسب، ولكن يتعدّى ذلك إلى جلد الذات ونكرانها ومحاربة ما من شأنه الإضرار بالمجتمعات؛ بمختلف ثقافاتها وممارساتها ولأن التدخين مهما اختلفنا في دوافعه ومسبباته من العوامل الفتاكة التي تضر بصحة الأفراد وترميهم في مستنقع الأسقام، لذلك من واجب المثقف والمفكر مهما كانت ميولاته وشهواته؛ تنوير الناس إلى الأضرار والأمراض التي تنتج عن التدخين بكافة أنواعه وبواعثه، أليس من واجب المثقف والمفكر الكتابة التنويرية وهو الذي يمتلك عددًا لا بأس به من القرّاء والمتابعين من مختلف الأطناب والطبقات والضرب بيد من حديد، سواء كانت كتابةً وقولًا أو فعلا على المسؤول الذي يتهاون في اتخاذ القرارات التي تحد من إقبال الناس على التدخين بتضييق الخناق عليهم ومحاصرتهم حصار مستميت لغاية النأي بجمهور المجتمع عن كل ما يضر الصحة العامة، وأنا أتتبع القرارات واللوائح والتشريعات الخاصة بالتدخين ينتابني الاستغراب من دولة مثل سلطنة عُمان عدد أفرادها مع المقيمين لا يتجاوز خمسة ملايين نسمة، لماذا لا تمسك بزمام الأمور وتغلظ القرارات الرافضة للترويج عن بيع التبغ ومنع التدخين كما تنص القوانين الدولية في الأماكن العامة بأية وسيلة وعدم التهاون مع الشركات التي تروج منتجات التبغ وعمل دعاية وإعلانات أو رعاية المسابقات أو الحفلات والندوات، كما أنه لا بد من بلورة التشريعات والقوانين الخاصة بالتدخين في المقاهي ومنها مقاهي الكرك والمطاعم التي تُقدم الوجبات والمشروبات في الساحات الخارجية؛ لأنها تقلق غير المدخن الذي يطلب احتساء فنجان قهوة أو كأس شاي في مكانٍ نظيف خالي من الدخان وأي ما يعكر المزاج، ولربما إن أردنا الاستثناء، فإنه يشمل المقاهي العالمية التي تشملها الضرائب؛ لأسباب منها توفير مكان خاص لغير المدخنين وآخر للمدخنين.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

حكايات من عينت والشطيفي؛ جولة في تخوم مطرح

من باحة سيدي أبو العباس المرسي إلى بيت ريا وسكينة

بين الشخوص والأمكنة، تجوال في أحياء بلدة بوشر