يوم البلديات الوطني، حُلة أخرى مرت من هنا

الخمييس 19 نوفمبر 2019م
 
في صبيحة هذا اليوم الوطني المبجل تواريت خلف شجرة كثة مليئة بالندى وأوراق خضراء منتشية برائحة عبق زهرة الباتشولي وعِطرٌ تتجلى روائحه من أعالي شرفات مكاتب موظفي وموظفات البلديات، وكما تأتي الأعياد الوطنية؛ كأي الأحداث المهمة التي يجدُ فيها الموظفين مثل قرنائهم في سائر الوطن لذّة التعبير عن فرحة تسري بداخلهم مهما كانت ميولاتهم وأيدلوجياتهم التي يعتمدون عليها في قراءة الأحداث الراهنة، كلٌ بطريقته المحببة، فيبدأون بتكوير عمائمهم الزاهية على رؤوسهم بألوان الوطن ويرتدون دشاديشهم البيضاء الفضفاضة التي يلقونها على أجسادهم كلَ يومٍ في ساعات العمل في مجتمعهم الوظيفي وبعد أن يدلفون مقار أعمالهم بانتظام؛ كالأجرام السماوية في المجموعة الشمسية تبدأ الأحاديث الصباحية المُعتادة قبل احتساء قهوتهم المُشعشعة وارتشاف كوب الكرك الذي قلت كمية السكر به عن السابق، نعم قلت كمية السكر به؛ هكذا بدأنا نعتمده كأيقونة صحية في مركز سلامة وجودة الغذاء ودائرة الصحة الوقائية، هذه الدائرة التي لا زالت تظلنا ولا زالت تنافح البقاء بين أروقة الوزارة، كزهرة طافية في روزنة جدة طاعنة في السن أصابها الضمور وبدأت تعيش القلق بانتظار قرارات الخميس الحاسمة، فبات طعم الشاي أكثر لذةً وقربًا من غالبية الزملاء، طوينا صفحة الشاي والغذاء كما نطوي غيرها من أحداث لحظية كما تساقطت أوراق الخريف في ضواحي شامونيه الفرنسية على طرقاتها المنتظمة وبيوتها الخشبية المتناسقة، هكذا تبدو هيئة الزملاء في الأيام النوفمبرية قبل ممارسة طقوسهم العملية، أما الزميلات فكنَّ ولا أدري كيف يمكنني وصف الحالة الشعورية التي تلازمهن وأنا البعيد نوعًا ما أو أمارس بطء البعد المسالم الذي أعتقد أنه يزيح مشرئبات التعامل المباشر خارج نطاق رسالة العمل في المنظومة الوظيفية المطوقة بالمآلات والتفاسير الموجودة من العدم والتي لا أجد غضاضة في التعامل معها مهما ناءت بنا المسافات؛ مهما كانت، كنتُ أختلس النظر بعفوية تامة إلى تلكَ الموظفة التي تتوشح الوطنية وتزهو بأناقة هذه الأيام في هذا الشهر الوطني بامتياز، فأراني أسبح معها في ضباب يومٍ باكر منتشٍ، يفوحُ منه عِطر المطر الذي يتساقط زخاتٍ زخات، كانت لا ترتدي رداءً أو أعلامًا وأوشحة تكتسي بها، بل كانت إفاضة وإضافة وطنية خالصة تتبددُ منذ أول وهلة مذُ إيذان دائرة العلاقات والتعاون الدولي موعد إقامة الحفل السنوي الذي بات ضمن روزنامة لجنة الأنشطة الثقافية والرياضية التي يديرها العزيز الدكتور هاشم البلوشي وقد يسقط المسمى الحقيقي من ذاكرتي، لكن ثمة اتفاق مبرم بأنها لجنة معنية بإقامة المناشط والاحتفالات الوطنية وإحياء المياه الآسنة في مثاعيب مبنى وزارة البلديات الإقليمية وموارد المياه؛ لتكون إحدى الروافد التي يلتقي بها زملاء العمل خارج نطاق المنظومة الوظيفية وهي من يبرز الجانب المشرق والمهم في أجندة الوزارة وتلك اشراقة أخرى يجد فيها الذين يعملون تحت جدران مبنى الوزارة ثيمة ترفدهم بأشياءٍ قد تبدو للبعضِ أنها هامش ليس ذا جدوى وقد يتعبرُ البعض مثل هذه المناسبات فرصة سانحة لإبراز تلك المواهب الكامنة؛ لتظهر على السطح قبل أن تخفت وتخبو جرّاء القِدم وتكالب السنوات، فإحيائُها أشبه بطوق نجاة اتخذه المسعف طريقة إضافية لانتشال الغارقون تحت جناديل التسويف ودقل سفائن ربابنة العمل، وبين تلك الإيماءات والإيحاءات ضللنا نتوسد الأفراح الوطنية كلٌ من مكانه. وفي المكاتب عندما تمرق أروقة الوزارة ثمة جمعٌ وطني يلتف عليه الموظفون والموظفات في قرارة أنفسهم، فينسجون الحدث في قلوبهم، فرحينَ بأشياءٍ قد تبدو مهمة لهم ويبرزونها للرفاق، وأكثر هذا الهاجس يتبدى في زميلات العمل، فكنّ يشمرن عن سواعد الجد وكنّ أوشحة تسير بخطى ثابتة فترى البالونات بألوانها المختلفة والتي تحملُ ألوان شعار عُمان، وفي العباءات التي  اكتست بالسواد ذات وقت ثمة شرائط تبرز فيها هي الأخرى ألوانٌ زاهية تبدو أكثر جمالًا وأناقةً وعندما تخرج من مكاتب العمل سواء كنتَ موظفًا أو موظفة أو حتى زائر تبتغي إنهاء معاملة وبمجرد رؤيتك لهذه الشعارات مذ دخولك بوابة الوزارة يبدأ يتسلل بداخل أساريرك ذلك الهاجس والشعور المفعم بحس الوطنية وقد تنسيك الممرات المتلفعة بألوان الوطن تلك اللحظات التي تراجعُ فيها معاملات الشركة التي عينتك بها مندوبًا يحمل أرتالًا من الأحلام والأماني فتكون دبلوماسيًا في تعاملك أكثر من موظفي وموظفات الوزارة فتعبث بفتيل الحياة وتتكشف لديكَ طاقة إنسانية كامنة في دواخلك وتتخطى حدود العمل وتجعل من أفكارك مسرحًا للوطن الذي قرر أن يحتفل مواطنيه هذا اليوم النوفمبري البهيج وهو الثامن عشر من نوفمبر فتخطيناه ليتفرد بذاته عن باقي المؤسسات فيصبح في التاسع عشر من ذات الشهر ولربما في وقتٍ ما تتلاطم أفكاري وأصبح كالبحر الهائج المحمل بالأهوال من جانب، وفي البر جانب آخر يتراءى لي من بعيد يحملُ به تراكمات تسربلت من قيعان أفلاج وأودية موارد المياه ومجاري الشعاب التي تسللت خلسة من شموخ الجبال؛ فأصبح متيمًا ببواعث قاسية بعض الشيء مثلها مثل ما أصاب أثينا طفلة الميتم الغجرية في رواية "ساحرة بورتوبيللو" للساحر الآخر باولو كويللو، وفي لحظة لم تكن من أتون الليل، وأنا أنتصب قبالة مسرح الحفل، منتظرًا ومصافحًا الزملاء وتختلط الوجوه بالوجوه، انقلبت لحظات الانتظار إلى أحاسيس مختلطة شعرن بها الطفلات اللائي يرافقن حفل البلديات صباحاته المفعمة بالوطنية بين فزع المناسبة الجليلة والجموع التي طوقت المكان وبين الفرح العارم وهنّ يلثمن المكان بقيثارة الوطن ويلهجنّ باسم قابوس أبي، قابوس السلام وتحايا أخرى غابت عن ذاكرتي المثقوبة عند رؤية الرفاق يحتفلون هم كذلك بالمناسبة الوطنية، ولأن الكتابة شيء من المتخيل وشيء تعصفه الأفكار؛ لترديه مِدادًا على حاشية الورق وهي لعبة لفظية تحمل هذه الأيام وشائج وطنية ذات عمقٍ نصي وبصري دلالي للمواد المكتوبة والمقروءة، تزاحم أفكار التغذية البصرية، كنتُ أسترق السمع إلى ضجيج طائرة الفانتوم التي أراد لها المصور العزيز بركات السليماني أن تحلق في سماء البلديات في يومٍ استثنائي فتحدث ذلك القلق مغبة سقوطها أو تكون زاوية أخرى يراها معالي الوزير أكثر شمولية وانسجامًا، وبين الجموع يخترق محمود المعمري الكراسي المصفوفة بين الزملاء والزميلات، حاملًا بين أنامله مانع الاهتزاز "أوزمو" وبين حداثة التصوير والعودة إلى الوراء ينتصب جمعة البلوشي متأبطًا كاميرته التي جالت البلديات من أقصاها إلى أقصاها، ولأن هواجس التوثيق تتعدد وتختلف في رؤاها، فكان ناصر الهنائي المصور الضوئي الرقمي يحمل الحلم الذي يصبح بعد زمن شيء من الذاكرة، يوثقاه الأعزاء بدر الكندي وسليمان الحسني كأيقونة قرائية تخلد في ذاكرة البلديات، ولأننا مجبولون على فطرة الحدث وتوثيق الحدث، رأيت الرفاق والرفيقات يرشقون صفحاتهم ويومياتهم بأحداث اليوم الوطني متباهين بين الندماء، وقبل أن أقفل إلى حيثُ أتيت اندلقت من شفاهي كلمة حانية أمام لحظات العناق وحالات التسامي بين الأصحاب، مهنئين بعضهم البعض وبدأتُ أبتلع ريقي فجفت شفتاي وتبخرت قطرات الندى وزال عِطر الباتشولي قبل أن تنتعش لحظات الوداع بإهداء أخير لمعالي الوزير من قبل المهندسة نعيمة الخروصية ممثلة عن  شقائق الرجال في هذا اليوم البهيج. 
 

 







 












 












 


 

 



 

 

 


 

 

 



 

 


 
 

 



 

 

 


الشاعر منذر الفطيسي





 



 

 
 

 

 
 



 


 

 



 


المهندسة نعيمة الخروصية تسلم هدية موظفات البلديات لمعالي أحمد الشحي وزير البلديات الإقليمية وموارد المياه

 

 



 





 


 





 

 

 



 

 
 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

حكايات من عينت والشطيفي؛ جولة في تخوم مطرح

من باحة سيدي أبو العباس المرسي إلى بيت ريا وسكينة

بين الشخوص والأمكنة، تجوال في أحياء بلدة بوشر