داوود سالم آل جمعة يطبع قبلته الأخيرة ويترجل عن البلديات!

 
يحيى المعشري 📝
السبت 3 أغسطس 2019م



 الفراق قاتل، لكنه يعلمنا كيف نكون أقوياء، اقتباس، هكذا طُويت صفحة أخرى من صفحات وزارة البلديات الإقليمية وموارد المياه، عندما ترجل عن صهوتها هذه المرة أحد الفرسان الذين جمعوا بين العمل وحب العمل ورياضة المستديرة "كرة القدم"، بكل ما تحمل من شجون وهموم، وعندما مرقت ردهات الوزارة قاصدًا الممر المفضي إلى دائرة التوعية والإعلام؛ للبحث عن الإصدار الأخير من العدد نصف السنوي لنشرة (إنجاز) الذي يواكب مناسبة الثالث والعشرون من يوليو المجيد، يوم النهضة المباركة، تفاجأت بالصديق والزميل داوود سالم يدلق عبارة فجائية مصحوبة بدمعة غير ظاهرة، فالكبار لا يبكون، هذه المرة ليست عبارة كابتن يحيى متى تشرفنا حضور أحد تمارين فريق الوزارة الكروي؛ بقصد توطيد اللقاءات خارج أروقة الوزارة وزرع أواصر المحبة والإخاء بين الندماء، هذه المرة أتت عبارته مغايرة عن السابق، أتيت لأودعكم فقد قدمت استقالتي، قال داوود: متابعًا بتأتأة المفارق لأحبائه، هو بطبيعة الحال ليس الوداع الأخير فأنتم راسخون في القلوب وأنتم البصمة الزاهية التي تشرفت بقضاء أجمل سنوات عمري بينهم، وكان الكابتن داوود سالم قضى في الوزارة زهاء تسع وعشرون عاما، خاض فيها الكثير من التجارب وتشرب منها الكثير من المعارف وهي حصيلته في الحياة وهي العلامة الفارقة التي كونت شخصيته الجميلة، وعلى وقع الخبر الذي لم أكن أتوقعه حادثت الزميل ماجد الهادي الكاتب والمدرب المعتمد في قطاع موارد المياه عن صحة الخبر قائلًا: لا عليك لا صديقي، حتى نحن سنكبر وسيمر بنا الحال ما دام الليل والنهار يتعاقبان على نهش الأوقات سريعًا وسيبقى الأثر الذي نتركه بين الندماء، وستتذكرنا الأرواح الجميلة في الوزارة وستخلد أسماؤنا في رفوف الوثائق والمحفوظات، فهم لا يتحسسون المكاتب ومواقعها ولا الجدران وانتصاباتها، إنما يلاطفون القلوب المجبولة والمتعاونة مع الزملاء، ولأن صلتي بداوود بدأت مذ كان المدرب الذي يدير دفة الفريق المشارك في إحدى المسابقات التي تتبناها الوزارة بين بلديات المحافظات وكنتُ فيها لاعبًا تشرف باللعب تحت إدارته، فكان مدربًا وقائدًا وأخا بكل المعاني الصادقة، وفي سجلات التوظيف كم من المرات أشحت بنظري وأنا أخرج من بوابة الوزارة الداخلية المفضية إلى حيثُ ينتشر الموظفين والموظفات، كلٌ في شأنه وكلٌ إلى وجهته وهذه المرة لربما يختلف الحال، فلم أعد أرى داوود سالم ولم أعد أسمع همساته وملاطفاته الأخوية، فداوود في عمره الحالي وكأنه في أول يوم عمل يدلف بوابات الوزارة فمن النظرة الأولى ومن الوهلة الأولى قد يتساءل البعض كيف لهذا الشاب اليافع أن يقدم ورقة الاستقالة ويهم بالرحيل، كيف له أن يهجر الزملاء الذين لازموه الحياة والعمل في ساعات حميمية شائقة جمعتهم تحت سقفٍ واحد، تركتُ كل هذه التساؤلات وفتشت في البوابة الالكترونية لعلي أحصل على بيانات إضافية أستطيع من خلالها معرفة المزيد عن شخصية محبة وجميلة مثل شخصية داوود، فتبين لي من التحاور معه بأنه بدأ حياته الوظيفية في المجتمع الوظيفي وهو في عمر الزهور التاسعة عشر، فتخرج من شرنقاتها الفراشات وفي عمر النشاط فتتجدد منها الحيوية، وفي مطلع التسعينات من العام 1991 بدأت أولى ترنيمات داوود تتفيأ ظلال مباني الوزارة بمختلف المسميات ومختلف المراحل التي مرت في مشاوير حياته الحبلى بالمفاجآت، وهج وأحاسيس لا يستشعر حجمها أي شخص استظل تحت سقف البلديات، فالمشاعر والذكريات لا تُتبنى ولا تتحول كما تتحول المراسلات في المجتمع الالكتروني والبوابات السحابية والحكومات الذكية مستقبلًا، ولأن المسميات الوظيفية تمر بمراحل وتمر بفترات تختلف معها البواعث وأهمية الوظيفة طبقًا للزمان والمكان، فقد أرشفت البوابة الالكترونية وظيفة داوود سالم بمسمى "فني معالجة بيانات أول" فتشرف به المسمى كإنسان حالم يحمل بين دفتيه أرتالًا من الطموحات والآمال بين فناء المباني التي مر بها وخارجها، فالكبار أعلى وأعلى من أي مسمى عابر يؤرشفهم في سجلات التوظيف وفي ملفات الوثائق والمحفوظات ومن دائرة مراقبة الموارد المائية بدأت ملامح الفتى داوود تظهر وبدأت مرحلة من مراحل حياته تسطع فيومض بريقها، فالبيانات المدخلة مذ كُنتَ في وزارة موارد المياه في مبنى روي قبل الدمج مع وزارة البلديات الإقليمية والبيئة؛ لتصبح وزارة البلديات الإقليمية والبيئة وموارد المياه إلى أن هاجرت البيئة إلى ملاذها المستقل وإلى بيت جديد يفتح لها آفاق أخرى تلامس طموحات من يقطن هذه الأرض الطيبة؛ للحصول على بيئة خالية من الملوثات لم تقتصر على جهاز حاسوب يخزن بياناتك وكيبوورد يطبع حروفك، بل خرجت من بؤس الكراسي وضيق الجدران إلى الخليقة؛ لتأخذ البيانات بأم عينيك وتقرأها بحس روحك قبل طباعتها، وكنت يا داوود تدرك تمامًا والزملاء بأهمية البيانات التي تعينكم لإدراك أهمية المحافظة على الموارد المائية والتقليل من استهلاكها، وتدرك بأن الثروة المائية ليست مُدخلات فحسب وإنما هي ثروة وطنية وعنصرًا حيويًا استنزافه يسوق إلى ما لا يحمد عقباه ولتدارك ذلك شاركت علاوة إلى المجالات الرياضية التي شكلت موازين قوة في شخصيتك في إقامة المعارض؛ لبث التوعية وتثقيف المجتمع وإيصال رسائل الوزارة النبيلة إلى مختلف شرائح المجتمع وكنتَ موقنًا تمامًا أن البيانات التي تخطها أناملك مهمة في مراقبة موارد المياه في التنمية الشاملة، فالجدران المتينة لا تتصدع ولا يمكن تهشيمها بفؤوس وأزاميل وبيارق، هكذا كنت ولا زلت يا صديقي العزيز أحد الأوراق المهمة في مسيرة البلديات وستبقى ذكراك العطرة تتحدث عنها جدران موارد المياه حاضرًا ومستقبلا.
 

 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

حكايات من عينت والشطيفي؛ جولة في تخوم مطرح

من باحة سيدي أبو العباس المرسي إلى بيت ريا وسكينة

بين الشخوص والأمكنة، تجوال في أحياء بلدة بوشر