مقهى كاريبو، حكايات الموكا والباريستا جهاد البلوشي ورفوف الكتب
يحيى المعشري 📝
الاثنين ١٩ أغسطس ٢٠١٩م.
![]() |
أنا وجهاد البلوشي في رواق مقهى كاريبو |
...../////.....
دلفت مقهى كاريبو لأول مرة فور إنشاء أول فرع من فروعه في السلطنة في العام 2011م، رفقة الزميل قيس اللواتي وهو أحد المندوبين الذين ينهون معاملات موظفي وموظفات الباريستا حينذاك؛ كأول الزبائن وليس أولهم وهو من عرّفني عليه وعرفني على الباريستا وأهم طرائق العمل لديهم، في هذا العام أحتفظ بذكريات مهمة ومفصلية في تاريخ بعض الدول والشعوب العربية، حيثُ الربيع أو الهلاك العربي يحتفظ في هذا العام بذاكرة الأنين والوجع ووخز المكلومين، ففي هذا العام كنتُ أحد الذين أخذهم الفضول؛ لحضور جلسات ساحة الشعب والاستماع إلى وجهات النظر والمطالبات وسيل من التفاصيل الدقيقة التي بدأت تتلاشى وتنحسر من ذاكرتي وفي بناية بريق الشاطئ في رابية من روابي القرم، بوليفارد بمسماها الحالي ثمة المهد الأول لفروع مقاهي كاريبو التي بدأت تتزايد وبدأ الإقبال عليها يزيد باختلاف الأمزجة والميولات، وكل ما سنحت الفرص وراق لي المزاج أهرع إلى مقهى كاريبو؛ لقضاء سويعات من الوقت؛ لعلني أجد فيها الهدوء والسكون الذي يبحث عنه الإنسان في لحظات العزلة والانفراد، وليس كما يعتقد البعض أنها تحقق الأهداف والطموحات أو تخرج منك مثقفًا أو قارئًا في صلب أمهات الكتب، عند مقهى كاريبو ثمة رغبة جامحة تتملكني للبوح بما تجيش به مشاعري فتصبح رغبة عارمة وعشق قد يدخل في المحظور وفي مقهى كاريبو تتلاقى الوجوه بالوجوه وتصبح كل الأكاذيب مباحة والحقائق لا مكان لها وعندما أكون رفقة أحد الزملاء أو مجموعة منهم يختلف الشعور لدي وتختلف المشاعر في تلك الساعات وها أنا اليوم أدلفه مجددًا لرؤية البشر يخرجون من ضجّة العيد وانشطار قنابل الفتاك في يد الأطفال وشبع البطون، دخلت وشوقي إلى ساعة احتساء قهوة الموكا Mocha فأخذني الفضول للتعرف عليها عن قرب، فحركت الشبكة العنكبوتية لعلها تعطيني شيء من السحر الذي يترك الناس تُقبل عليها فحثني المقترح لقراءة جزء من تاريخ القهوة الذي يعود إلى إلى ميناء مخاء في اليمن الذي كان يقوم بتصديرها لأنحاء العالم وهي واحدة من أكثر الدول المصدرة للبن في العالم، قلبت صفحات الذاكرة وهمت في صور الوجوه التي تُقبل على كاريبو تحتسي الموكا وقلت هل يعقل أن يترك هذا وتلك احتساء القهوة فور معرفتهم أن أصلها يعود إلى اليمن السعيد وهم الذين يعتقدون أنه مشروبًا إيطاليًا أو فرنسيًا أو حتى لدولة من الدول المشهور مواطنيها بشغف جلسات القهوة ومعاقرة دخان المزاج ولا أدري لربما هنالك قاسم مشترك مع مخا لدينا في محافظة جنوب الشرقية وبين الموجودة في اليمن السعيد أم إنها مجرد حشو في التاريخ وما أكثر ما يتم حشوه، قررت زيادة وقت المكوث في كاريبو "الواحة مول" فوجدت الكراسي عارية من أفئدة المزاج ووجدت الطاولات متسربلة بأنّات الفراغ، مكثتُ برهة من الزمن أتأبط الباغ لبشرى خلفان، تارة أحدق إلى الفراغ وتارة إلى البارستا جهاد البلوشي، أحاول تعزيته وتأبين الأكواب الفارغة وجهاز الحساب المتململ، تسوقني قدماي بتثاقل إلى حيثُ العدم، امتشقت الموكا بحماس وقد رأيتُ ملامح البسمة على البارستا جهاد البلوشي فرحًا؛ لأني الزبون الذي استفتح به يومه، لم ألحظه يرش الماء أمام محله تباركًا بيومٍ جديد وروح جديدة كما يفعل تجّار أبناء الكنانة أمام متاجرهم في خان الخليلي في قاهرة مصر العظيمة ولم ألحظه يصرخ بأعلى صوته مناديًا كما يفعل بائع شراب اليانسون والعنّاب في أسواق دمشق الساحرة، سألته بعيني وأنا أحدق إلى وجهه البشوش الذي بدى لي مجيبًا عن جل تساؤلاتي، حاولتُ التملص والشرود فراق لي الهدوء فزاد شوقي ومضت الساعات وكأنها ومضة برق خاطفة لولا أن ساعة الظهيرة لسعت الصباح وبدأت أصيخ بسمعي إلى صوت يخرج من مآذن المساجد المواربة وحناجر المؤذنين، يصدح بعبارات تجعل مرتاد المقاهي يجيب ويلبي النداء وقبل أن أهم بالمغادرة وجدت عناوين الكتب تقف منتصبة القامة في زاوية صغيرة مليئة بالعتمة، يخرج منها ضوء العلم والنور وعندما سألت الباريستا جهاد البلوشي عن الكتب والعناوين الموجودة امتلأت ملامحه برغبة البوح والحديث باسترسال ومط شفتيه وقال في برود الواثق، انها المشروع الجديد لتدوير المعرفة الذي طرحته على المدير؛ لكي يكون منارة وإضافة أخرى يستزيد من معينها الكتّاب ومحبي القراءة. وفي خضّم الأحاديث المتواصلة بيني وبينه لاحت لي الذبابة وأحمق وميت وابن حرام وغير مرئي وفي قلبي أنثى عبرية وهي عناوين أخرى تجاور الباغ لفكرة خرجت من الباريستا جهاد البلوشي؛ لترى النور في القريب العاجل بإذنه تعالى.
![]() |
هنا مشروع المكتبة |
تعليقات
إرسال تعليق
مؤكد تعليقاتكم محل اهتمام