الأستاذ محمد رضا اللواتي يطفئ آخر شموعه في البلديات

 
يحيى المعشري
الخميس 1 أغسطس 2019م

 
عندما دخلت الرقابة الصحية بمسماها القديم لم أحتاج إلى أسبوع تعريفي؛ لأسبر أغوار العمل، ولم أحتاج إلى مرشد وظيفي؛ ليدلني على تفاصيل التفاصيل في طرق التفتيش الغذائي والبيطري والوقائي، ولم أحتاج إلى دليل الرقابة الصحية؛ لمعرفة السنن والقوانين أو استشرف المستقبل بإنشاء مركز سلامة الغذاء ولا اشتراطات التعامل مع المبيدات وطرائق دخول المسالخ ومرادم البلديات التي تجهش بألسنة النيران، ولم ألجأ لمعرفة الجدران البشرية العازلة التي تشرئب منها القلوب وتغيب عنها المودة والصفاء، فقد كان للقدر أن ألمح أفئدة تكيل بمكيال لا بمكيالين، فقد وجدت وبمجرد أن حطّت قدمي الرقابة الصحية هنا في مسرح العمل، حيثُ المكاتب تتشكل كأحجية يصعب فك شيفرتها، كطلقة ظلت طريقها، فأخذت تتهادى بين جدران المكاتب، كضوءٍ يختلس مكاتب الموظفين؛ محبةً لا كرها، وثمة طيف يلوح في أفق قريب؛ لينتشلني من وحشة التيه، انه محمد رضا "أبا حبيب" صاحب الابتسامة التي لا تتنسى، محمد رضا، علاوة إلى كونه من مؤسسي الرقابة الصحية، فهو كان ولا زال أحد القياديين الجميلين اللطيفين الذين يرسمون الأحلام الوردية في السلم الوظيفي، فقد تقلد محمد رضا العديد من الوظائف القيادية في البلديات، وكانت الفترة الزاهية من محطة حياته، إدارته لدائرة البيطرة، فالقيادة في فلسفة محمد رضا تنتهج الأسلوب العلمي، حيثُ كان يستخدم الأسلوب المناسب مع كل فرد تبعًا للموقف، فالاختلافات يحولها إلى مواقف لطيفة، فهو ومن عرفه لا يفوت ولا يستلذ احتساء قهوته الصباحية قبل مباشرة العمل والمسائية في أوقات تجديد النشاط الذهني، حتى يمرق مكاتب الموظفين؛ لأداء طقوسه الجميلة أهمها التحايا والسلام؛ فلا يفوت مكتب من مكاتب الزملاء والزميلات قبل أن يبادلهم المحبة؛ للسؤال عن أحوالهم وأسرهم، ليس بغرض التلصص ومعرفة ما لا ينبغي معرفته في أسرار المجتمع الوظيفي، بل من أجل الوئام والاطمئنان عنهم وبث روح التفاؤل وأكسير السعادة والمحبة بين ندماء العمل، كنتُ أدلف البلديات على مائدة اللقاء الأول، كالمقصلة في عيون سيد الابتسامة والتواصل في المديرية محمد رضا، وكنت أرى ما تراه أعين الزملاء والزميلات بعين مختلفة، فيلمع بريقها عند رؤيته وهي تحدق في وجهه البشوش، فأيُ سحرٍ تتمتع به أيها المحب بين الندماء وأي محبة تلك التي تطبعها على قلوبهم، وبمجرد معرفتك محمد رضا لا تحتاج أن تتفرس وتشغل عقلك بفلسفات الميتافيزيقيين وصيرورتهم ولا تحتاج للتمعن في فيسلوجيا الوقت والتفريط في تفاصيله، فالحضارات الإنسانية تحدثت عنه وسبرت أغواره، فأين محمد رضا بطلته الصباحية الحانية وبشاشته؛ ليذيب مشرئبات الضجر التي قد تداهمك في وقتٍ ما وفي لحظةٍ ما وفي ساعةٍ ما وعندما أفرغ من أداء عملٍ ما قد أُسند إليّ، قد يشغلني التفكير مليًا بأفعال وأقوال كثيرة تعتري محياي، قبل أن يدلق محمد رضا عبارته في مداخلة سريعة، المهندس سعيد بن درويش العلوي يقرؤك السلام وسالم المخيني يبلغك أحرّ وأجلّ التحايا والعم درويش البلوشي يدعوكَ لزيارته والدكتور خالد العبري الذي كان بانتظاره قبل حفلنا البهيج يذكرك بالخير، والدكتور أحمد العيان من أرض الكنانة، حاضنة النيل يبعث لكم أرق وأعذب ما قيل في السلام، عرفتُ لحظتها بأن العلاقات الإنسانية عند محمد رضا هي الديدن وفي أعلى مستوياتها وعرفتُ بأنه على تواصل بمن رحلوا جسدًا عن البلديات وبقوا أرواحا تحلق في قلوب الزملاء، ولأن محمد رضا لا يعترف بقاموس النسيان ولا كيمياء المقاطعة وفيزيا الهجران، فإنه ظل يذكّرني بعدم القطيعة مهما ناءت بنا المسافات ومهما بعدت عنا الطرقات.
هكذا هي الحياة كصفحات الكتب نقلبها صفحة صفحة إلى أن نصلَ إلى النهاية؛ لنختمها بالذكريات الجميلة في ساعات العمل.
شذرات:
نادرون من يستمر جمالهم حتى النهاية.
...
ملحوظة: الصور من الحفل التكريمي للأستاذ محمد رضا اللواتي امتنانًا وعرفانًا من الإخوة والأخوات وهن من بادر بالتنسيق والتحضير للحفل فلهن خالص الشكر والتقدير على الجهود.















 
 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

حكايات من عينت والشطيفي؛ جولة في تخوم مطرح

من باحة سيدي أبو العباس المرسي إلى بيت ريا وسكينة

بين الشخوص والأمكنة، تجوال في أحياء بلدة بوشر