من رمسيس إلى سيدي جابر بالإسكندرية أحداث وأحداث

 
يحيى المعشري
الثلاثاء 30 يوليو 2019م
 
من كل حارة حكاية!
 

 
 

 
تتوالد الأفكار وتترنح في عقولنا في رحلة مخاض بين شدٍ وجذب، بين إقبال وإدبار، بين تبني ونكران، فتبقى فكرة حبيسة لن تخرج من مهدها ما لم تكن هنالك عوامل تنتشلها؛ لتتشارك مع صاحب الفكرة ليدلقها بعد ذلك في مسرح الأحداث، فإما أن يعمل بها بذات الإيمان وإما أن تُغتال أو توأد وهي صغيرة، هكذا كنتُ أتبادل أطراف الحديث مع الرفاق "ناصر وفهد وقيس قبل أن نبدأ تجربة السفر عبر القطار في تطوافنا في المحروسة أم الدنيا.
قاطعت سائق سيارة الأجرة الذي تحدثنا معه عن نيتنا تجربة السفر بالقطار من المحطة التي يرتع بها أحد أهم الآثار المصرية الملك رمسيس الثاني "فرعون" قبل أن توجه وزارة الآثار المصرية بنقله إلى المتحف الكبير في الجيزة والذي من المؤمل أن يبدأ سطوعه في مطلع العالم 2020؛ كإحدى الصفحات المهمة والمشرقة في تاريخ كنانة العرب. كان ذلك الحديث قبل يوم من موعد الرحلة بحسب المخطط الذي أعددناه، سكت سائق سيارة الأجرة ورمقني بنظرة عميل سري بعد أن استأذننا نيته إشعال سيجارته، أومأت له بالموافقة وليفعل ما يشاء، طبعًا بعد أخذ موافقة الرفاق الذين أبدوا عدم الممانعة، باعتقادي الدخول في نقاش عن التدخين وإقبال الناس عليه في مصر قد يتحول إلى جدال وكأن الأمر أصبح شيئًا من روتين الحياة، أتخيل أن من لا يعرف نفث الدخان وإفراغ ما بجوفه ليحدث كومة سحاب تعصفها رياح النيل الباردة لعلها تخفف شيئًا من وهج الدخان، غريب، نعم هو غريب في مجتمع يكثر به المدخنين. تلاشى شبح الدخان فجأة وبقيت أغطّي أنفي بكمي، هكذا بدأت أحدثُ نفسي قبل أن يباغتني "ناصر" قائلًا: اسأله عن محطة قطار رمسيس ومواعيد القطارات وأفضلها وعدد ساعات الرحلة من القاهرة إلى الاسكندرية، اسأله كونه من أهل البلد، هذا أمر، والأمر الآخر هو سائق سيارة أجرة وجرت العادة أن سائقي سيارات الأجرة على علم بأغلب متطلبات السياح ومعرفة كافية بأسئلتهم ورغباتهم وربما يستطيعوا أن يتفرسوا الوجوه بتفاصيلها وسكناتها من خلال مستوى الثقافة أثناء الحديث والتحاور.
رمقني بنظرة وأخذ يحدق فيّ باستغراب قبل أن يبدأ حديثه "لا مواخزة متى موعد رحلتكم؟، هتف "قيس" في حماس قائلًا: غدًا على الأرجح. حركتُ رأسي إيجابًا معلنًا موافقتي على رد "قيس"، مط سائق سيارة الأجرة شفتيه وأزال اللعاب العالق وقال: كان عليكم الحجز قبل موعد رحلتكم بثلاثة أيام أو يومان على أقل تقدير، عقد "فهد" حاجبيه وألقى تنهيده بقت حبيسة في داخله وهو الذي آثر الصمت والإنصات طوال فترة الحديث مع السائق، حينذاك استدرت إلى الخلف وأزحت حزام الأمان الذي لا يُعار هنا أدنى اهتمام ولا يكترث بأهميته أي منهم كما يبدو لي ورفعت إحدى يداي وضممت أصابعي، محركًا يدي، فهم الرفاق المعنى من الحركة فسكتوا وآثروا انتظاري بعد أن أفرغ من نقد السائق مستحقاته من الجنيهات وهي خمسين جنيه.
قلت لهم: منذ أن عرفت مصر سكك الحديد، القطارات، بفضل الوجود البريطاني بفكرة طُرحت على طاولة النقاش آنذاك والتي بدأت فعليًا في عهد الخديوي إسماعيل كانت تعيش حقبة صعبة، خاصة في التنقل من مكانٍ إلى آخر؛ لسهولة الحركة التجارية حينذاك والتخفيف على الناس من عبئ التنقل من مكان إلى آخر، فمصر ليست دويلة ولا إقليم صغير يسهل التنقل به، مصر دولة عظيمة تشهد نشاط بشري غير منقطع النظير، ومن ضمن المحفزات التي تعطيني الدافعية لزيارة مصر؛ شبكة القطارات التي لا تهدأ وجموع الناس بمختلف السحنات من كافة المشارب، كيف لا والتعداد السكاني هنا كثيف والتوافد السياحي من كافة أقطار العالم في ازدياد، مجمل الحكاية فور أن قررنا تجربة ركوب القطار، ليس لأنها التجربة الأولى بالنسبة لي، وليست الأخيرة إن كتب لنا العمر، فالرفاق عزموا على خوض التجربة ورؤية الصعيد والأرياف والترع بمناظرها الخلابة وحضورها الآسر، والتفكر في تاريخ الصعيد النابض بوجدان الإنسان والتمعن في الرجل المصري الذي يجر دابته؛ لتقاسمه الحياة والأرض والثمار، وعل وقع أزيز القطار يُطل علينا الصعيد، وعند شباك التذاكر كان الزحام شديد على أوجه فما كان مني إلا أن خلعت ردائي الخليجي وأظهرت السحنة المصرية قولًا وفعلًا؛ حتى أستطيع إنهاء إجراءات الحجز بسهولة ويسر، كانت الساعة تشير إلى الواحدة ظهرًا فور وصولنا وموعد أقرب رحلة عبر القطار الفرنساوي الساعة الثالثة بتوقيت القاهرة وبعد مشاورات مع الرفاق قمت بحجز أقرب موعد وهو الساعة الثالثة بعد الظهر بمبلغ (100) جنيه لكل فرد، وخلال فترة مكوثنا في محطة رمسيس قمنا بأداء صلاة الظهر والعصر واستغلال ما تبقى من وقت؛ لتناول وجبة الغداء وأخذ صور تذكارية نحفظها في ذاكرة هواتفنا وندفع بالبعض منها للأحبة ومن يهمهم أمرنا، قبل الذهاب إلى الرصيف رقم واحد بحسب التذكرة المحددة، فآثرنا انتظار القطار قبل الموعد بنصف ساعة؛ تحسبًا لأي طارئ قد يطرأ علينا وبعد أن قمنا بسؤال المباشرين في المحطة اتضحت لنا الصورة إلى أن ركبنا القطار فألقينا حقائبنا والأمتعة الأخرى في مخزنٍ علوي، متجهين إلى الاسكندرية في رحلة استمرت ساعتين ونصف الساعة، مررنا خلالها على العديد من المحافظات المصرية والمناظر الجميلة التي توحي بجماليات الطابع المصري وتفرده، إضافة إلى وجود الخدمات في القطار من بائعي الجرائد والكتب والشاي والحلويات ومختلف أنواع القهوة.

 

من داخل القطار متجهين إلى الإسكندرية




 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

حكايات من عينت والشطيفي؛ جولة في تخوم مطرح

من باحة سيدي أبو العباس المرسي إلى بيت ريا وسكينة

بين الشخوص والأمكنة، تجوال في أحياء بلدة بوشر