المهندس باسم الزدجالي يسلم راية البلديات ويُقرر الرحيل
يحيى المعشري
الأحد 12 مايو 2019م
.../////...
![]() |
مناقشة إجراءات السلامة في حملة مخاطر المبيدات الكيميائية فيمحافظة الداخلية |
منذ أن ترجل المهندس باسم الزدجالي من نواصي سكناه في مسقط رأسه أوقعته الرقابة الصحية في حبالها وتوطدت العلاقة بينهما زهاء اثناء وعشرون عامًا تقاطرت عليه أحداث سأكشف عن بعض تفاصيلها في هذه المساحة الضائعة ولتكن بداية البداية لحياة علمية وعملية أخرى اختارها المهندس باسم؛ لتكون رفيقة الدرب بعد أن وقّع استقالته من البلديات.
.../////...
كأي الشباب أتى باسم الزدجالي مكتب المدير العام وهو مفعم بروح الأمل فانتظر في الرواق الخارجي فطفق يطالع مكاتب السكرتارية ويشيح بنظره باتجاه الملفات المصفوفة في الرفوف، فدخل متاهة الممرات على الجدران العارية والسقوف المرتفعة، أخذ يحدق في المنسق وهو يهاتف المدير العام على المحول الداخلي ملوحًا ومبديًا بموعد دخوله، لم يكن يعلم بأن دورة العمل في المديرية العامة للرقابة الصحية تبدأ بموعد، فلقاء، فإذن، فقرار تعيين من مكتب التوظيف، لم يكن يعلم بأنه سيسفح العمر الوظيفي بين مفتش في دائرة الرقابة الغذائية إلى رئيس قسم في قسم حماية المستهلك فدهشة البدايات تمكنت منه فقد كانت بادية على محياه ومن أول وهلة استلم المهندس باسم قرار العمل دونما تأهيل أو دراية بطرائق التفتيش، فكان الميدان هو المعلم وهو الذي يمازج بين العمل الإداري والميداني فيصقل المفتش فتتكون لديه المعارف وهو يخوض غمار الميدان في الولايات ويتأبط المهندس باسم بين يديه عينات مركز المختبرات ويتابع التقارير فتتفتق في ذهنه خبرات السنين فأخذ يراجع اللوائح والتشريعات ليكون ضمن المدربين المعتمدين في البلديات وحين وطأت قدماه البلديات حتى شرع على تتبع هيكلها التنظيمي في الواجهة الأمامية عند مدخل المديرية حينذاك فوثقت صورته كأحد البارزين وأحد المؤسسين.
وعندما عرفت باسم الزدجالي آنذاك لم يكن يحمل شارة الهندسة كأي شعار يفاخر به الموظفين بين ندمائهم ولا كان يتعامل بعلم السوسيولوجيا كمجرب ومحلل للنشاط الاجتماعي لقرناء العمل أو فلسفات المؤرخين وشقائق الأقلام، بل كان ميدانيًا ومخططًا وابتكاريا، كأي فنان يمسد على ريشته ليخرج لنا لوحة فسيفسائية؛ ليُعلقها على لوحة قسم حماية المستهلك البيضاء، فمن هناك يبدأ بتوزيع الأعمال على فريقه ومن يوافقونه أفكاره ومن هناك تبدأ الملامح الإبداعية فيتلقفون مبادئ العمل على يديه رغم الاختلافات بينهم في بعض التوجهات وفيها تكمن سنة الكون، فلا يمكن أن نتوافق في الأفكار والرؤى مهما تجلى أمامنا حب العمل والإخلاص.
وفي إحدى السنوات التي سلبت من الذاكرة فتعسر عليّ توثيقها في هذه المساحة عرفت المهندس باسم وأنا أصعد أول درج متوجهًا إلى الرقابة الصحية، فقد كنت يانعًا أحمل أرتالًا من التساؤلات التي لا يمكنني البوح بها لحظتها، فالسنوات كفيلة بأن تبيح المحذورات والأيام دول تتكشف مكامنها مع الأزمان، لم يكن المهندس باسم أول المستقبلين ولم يكن أول المهنئين وإنما كان أول المرحبين وأكثر المقربين الذين عرفتهم في الرقابة الصحية وتوطّدت العلاقة لأزمنة هرولت سريعًا دون أن نشعر، ولأن إجراءات التعيين الظالمة أوقعتني في فخ القرارات الجائرة؛ لأعذارٍ كان يتغنى بها المسؤول حينذاك أنها "واهية" كالأوهام على حياتهم المترعة، إلا أن معرفتي بباسم كفيلة بأن تنفض الرتوش العالقة على القرارات البغيضة ووحل المراوغات المقيتة، وعندما هممت للاستناد على دقل مراكب العمل الراسية في شطّ المجتمع الوظيفي كان باسم البلسم الذي أكتحل به وقت الصعود والنزول وكنا معًا نمضي بين لقاءات العمل في أروقة البلديات وبين حضور الورش والندوات التطوعية خارج نطاق مقصورة العمل وبين مشاركات بطولة المستديرة كرة القدم في ملعب جابر بن زيد الفرعي وملعب السلطاني رفقة زملاء العمل وبين مداعبة كرة الصالات في صالة مجمع بوشر الرياضي إلى أن زحفنا إلى ملاعب البلديات في الأقاليم.
كنت أُزف على الأكتاف كأفضل المراوغين وكان باسم يرسم وينقش البطولات فخلدت زوايا البلديات اسمه في أهم المشاركات، وعندما أتفحص الميموري كارد على الهارد دسك في مكتبه بقسم حماية المستهلك نعود إلى مجد آسنٍ حركته أفلاج موارد المياه النقية.
وبما أن السنوات تمر كديمة عابرة قرر باسم أن يتشح بعبارة الهندسة فهاجر في طلب العلم لينال شهادة الماستر في العلوم والسلامة المهنية بجامعة سالفورد إحدى أهم الجامعات في مدينة مانشستر التي انطلقت منها الثورة الصناعية في أوروبا الغربية، كان يمني النفس أن يعود إلى أرض الوطن حاملًا معه الأمل والحلم؛ ليراه على أرض الواقع، لا شهادات ورقية تعلق على الجدران وتوثق في رفوف دوائر التوظيف وتصدق في وزارات التعليم العالي كما يفعل البعض وما أكثرهم في المجتمع الوظيفي. فأدخل بتكليفه مديرًا لدائرة الصحة الوقائية أسس العمل الوقائي في أقسام الدائرة وجاهد لتعزيز جوانب الثقافة والسلامة في بيئة العمل كأول منظومة تدخل البلديات من أجل اتباع إجراءات الصحة والسلامة لقطاع العاملين في مجال المبيدات الكيميائية وكان مناصرًا ومؤكدًا على أهمية استحداث قسم يُعنى بالسلامة المهنية في بيئة العمل ترجمةً لما تعلمه في الغربة ليكون شاهدًا على التحديث والتجديد في بيئة العمل.
ولأنني أؤمن بأنه لا يوجد مستقبل في الوظيفة وإنما المستقبل في الشخص الذي يشغل الوظيفة، كنتُ على يقين بأن أعمدة الوظائف الإشرافية ستتهاوى الواحدة تلو الأخرى؛ بداعي التدوير الوظيفي ونحمل فيه فلسفة أخرى بتوجيه الكفاءات لتنقل تجاربها للآخرين وعندما أيقنا بأنه لا مفر من الرضوخ للقرارات استقبلنا قرار المهندس باسم الزدجالي بنقله من إدارة دائرة الصحة الوقائية إحدى أهم دوائر الرقابة الصحية إلى إدارة واحدة من أهم الإدارات في ولاية الإمامة وروح التاريخ النابض في محافظة الداخلية مديرًا للرقابة الصحية والصرف الصحي.
ولأننا نؤمن بأحقية أن يعيش الإنسان وفق صيرورته ووفق أهدافه التي وضعها نصب عينيه، قرر المهندس باسم أن يضع ورقة الاستقالة ويسلم راية البلديات؛ ليبحث عن ضالته فيمن اختارها عقله وقلبه.
وهكذا وقع عليّ خبر استقالة المهندس باسم من البلديات مفاجئًا في رسالة واتسابية في مجموعة تضم أخوة من رفقاء العمل، فتلكأت برهة من الزمن قبل أن يباغتني المهندس علي الغافري برده الموجع فكان متاسفًا على قرار الاستقالة وتلاه في التعقيب الأب الروحي للمديرية أبا حبيب فكان مواسيًا ومصبرا نفسه على وقع الخبر، كنتُ لحظتها تلقفت الرسالة وعيني على محراب الصلاة فأرجأت التعقيب، فقد أشار المهندس باسم في رسالته اليتيمة "الكابتن يحيى الخلوق والطيب ضمتنا البلديات في رحلة طويلة فتكونت بيننا عشرة عمر قضيناها في السراء والضراء" وعندما فرغت من أداء صلاة التراويح كان الزملاء قد عقّبوا بحسرة على خبر الاستقالة وحسرة على عشرة العمر التي قضيناها مع بعض بحلوها ومرها وقبل أن أرمي بجهازي الهواوي وقعت عيني على تعقيب مبك من الدكتور سيف اليعقوبي متحسفًا على فراق أجمل أيام العمل، مودعًا بذلك صحبة أخوية دامت أكثر من عشرين عامًا وهكذا طوت الرقابة الصحية فرضة أخرى رست على موانئها وهكذا يتساقط الأحبة في البلديات كما تتساقط أوراق الخريف وبذلك علينا أن نؤمن بأن ديدن الحياة لا شيء يبقى خالدًا إلى الأبد فالثوب الذي نرتديه اليوم علينا أن نبدله وأن بوابة الأرزاق التي فُتحت لكَ في البلديات قد تفتح لكَ أيها الزميل أبوابها وشبابيكها في أي مكان آخر يحتضن طموحاتك وأفكارك ولتضع نصب عينيك بأن عُمان أكبر من أي مكان وزمان وتبقى الكراسي كقارب الربابنة يرسو على ضفاف الحياة، فمن هناك نبدأ رحلة العبور وإليها نؤوب.
تغريدة/
"كُن شعلة وقادة لا تهدأ ولا تندمل ومارس حياتك كالعصافير المهاجرة لا تهجع في مكان واحد؛ طالما كنت تنبض بالحياة".
![]() |
المشاركة ملتقى #جفلى للجماعة الطلابية لإدارة المخاطر بجامعة السلطان قابوس @SQU_Info والذي يهدف للتعريف ب#ثقافة_الغذاء في العالم، بحضور مدرب ومستشار الصناعات الغذائية م#علي_العمراني، وذلك تحت رعاية المهندس #باسم_الزدجالي مدير دائرة الصحة الوقاية |
![]() |
المهندس/ |
![]() |
ضمن سلسلة اللقاءات التحضيرية لمناقشة برنامج "للوقاية من المخاطر .. سلامتكم تهمنا " عقدت حلقة نقاشية ببلدية المصنعة من تقديم م. باسم الزدجالي. |
![]() |
صورة جماعية بموظفي المديرية العامة للرقابة الصحية والصرف الصحي. |
تعليقات
إرسال تعليق
مؤكد تعليقاتكم محل اهتمام