مداهمة ليلية فجائية
... ///...
مشاهدات ومعايشات من السفر والترحال
... ///...
يحيى المعشري 📃
الأربعاء 1 مايو 2019م
في تمّوز من عام 2005 عنما قررت والزميل فهد الجابري المشي لمسافة طويلة في بلاد الابتسامة تايلاند قد باغتني هو بالمبادرة لأخذ فسحة من التجوال بعد المكوث برهة من الزمن في أحد مقاهي الجائلين الذين يبيعون الفطائر والعصائر الطازجة، ثمة إيحاء منه بأن المشي وسبر أغوار هذه المدن بأزقتها يتكشف لدينا أكثر عندما نتخلى عن وسائل الراحة في التنقل، خاصة في الأماكن القريبة التي لا يستحيل معها التنزه بالأقدام وبعد أن تركنا الأصدقاء يخلدون في نعيم الطاولات ورخاء كراسي أبو سعيد الوثيرة ودرج مارين بلازا بتايا وبعد بدأنا نخترق أمكنة مدينة بتايا إحدى أشهر مدن الخطايا في العالم، خارجين من حيّ العرب، متجهين إلى مركز البج سي في بانج لامونج وهو أحد أفضل المجمعات في بتايا وأشهرها من حيث النظافة والأسعار وتقديم الوجبات الشهية والمقددة منها على أن تكون العودة بالدراجة الهوائية أو أية وسيلة تسهل علينا الرجوع في طريق العودة.
وعند وصولنا إلى مركز البج سي بعد قطع مسافة طويلة يروق لنا قطعها في مدن تايلاند المحفزة قررنا البقاء والاستراحة في باحة عامة يتجمع بها عدد لا بأس بهم من السياح والمحليين المعروفين باسم "البدو" أخذنا ردهة تتوسطها حانة صُفت فيها المشروبات الروحية على أدوات بناء غير ثابتة يُسمع فيها قرقعة أكواب الثمالة، كأزيز السفن وهي تغادر الموانئ محدثة صوتًا يسترقه الهائمون في هذه الأماكن وكأنها سيمفونية أو عزف على البيانو، الناس هنا من مختلف مشارب الدنيا لا تجمعهم سوى الأرض التي حوت الجميع بمطالبهم وتوجهاتهم، وفي حديثٍ بيني وبين "فهد" رمش لي، فقد التزم الصمت قليلًا؛ لنستمع إلى اثنين كانا يجلسان بجوارنا وتبدو عليهما أمارات الريبة، الأول أمريكي الجنسية والثاني من أبناء البلد، أي تايلاند، لا عليك قلت لفهد: إلا أن فهد ظل يرمق بنظرات موزعة بين رؤيتي وأنا أحادثه وبين النظر إليهم وقبل أن نهم بالانصراف تفاجأنا بالرجل الأمريكي يقوم بليّ ذراع الثاني ويبدو بأنه متهم في قضيةٍ ما، لا أدري ماهي ولا أدري السبب وراء بقاءهم هنا وما الحديث الذي كان يدور بينهم والذي أخذ من المحقق الأمريكي كما اتضح لنا بعد ذلك فترة من الزمن، جثم التايلاندي المتهم على ركبتيه بالقرب منا على مرمى البصر وهناك ثلة من الباعة الجائلين أخذوا مكانهم لم يحركوا ساكن وكأن الأمر لا يعنيهم أو اعتادوا على مثل هكذا أحداث وعلى النقيض استنكرت وفهد ما يجري واعتبرناه من الأشياء الغير مألوفة لدينا كيف لا فمن يخرج من بلاد آمنة مثل سلطنة عُمان يعتبر مثل هذه التصرفات من الغرائب، صيحات الباعة الجائلين بدأت تتعالى لاستقطاب الزبائن وعابري الطريق، كانت السماء تُمطر كل يوم عدا هذا اليوم وكأنها لم تشأ إفساد مهمة الرجل الأمريكي ذا السحنة الشقراء الذي غزا وجهه الشعر الأبيض لأداء مهمته، وفي سكنات فهد رأيت الصمت يشيء بكل شيء وبادلته ذات المشاعر ولم أنبس ببنت شفة، كنت مشفق على التايلاندي المتهم فقد قاوم الشرطة والأصفاد التي شلت حركته وبدت على ملامح وجهه الضمور، همست لـ فهد قائلًا الغريب بأن الناس لم يلقوا بالًا لما يحدث ولم يكترثوا للأمر عدا امرأة شمطاء طاعنة في السن تدّعي المرح في الحانة المواربة، كانت تجثو على الأرض وترفع كلتا يديها إلى وجنتيها وتقوم بطقوسٍ تعبدية للبوذا، كنتُ أظنها حانة لولا أن صحح لي فهد أنها ليست حانة، شاهد الشموع المتلألئة بفضل الضوء الخافت الذي أعطى الموقع تناغمًا وانسجامًا والجميل اختراق الورود الصفراء والحمراء خيط رفيع لُفً على الموقع بطريقة فنية ولا غرابة عندما أجد صورة الملك بوميبول أدولياديج راما التاسع في الموقع فهو الرمز والمُلهم لدى شعب سيام. وفي خضم المداهمة والحضور الإعلامي الذي وثق الواقعة طفقنا عائدين مهرولين مخترقين الشارع الجانبي المؤدي إلى الشاطئ مائة متر قبل أن نتلقى اتصالًا من أحد الأصدقاء متسائلا عن سبب تأخرنا.
![]() |
فندق مارين بلازا في بتايا ومقابله مطعمي أبو سعيد وأبو عبدالله |
تعليقات
إرسال تعليق
مؤكد تعليقاتكم محل اهتمام