إبراهيم وحمد، رحلة بين الزمنين في حيّ قلهات ببلدة بوشر


إبراهيم وحمد، رحلة بين الزمنين في حيّ قلهات ببلدة بوشر
 

مع إطلالة ديمة الصباح المتفرقة على أحياء بلدة بوشر، لتتوشح السماء بأجواء الأناقة، بين الصفاء والغيم، يخرج الأخوين إبراهيم وحمد أبناء محمد بن عبدالله بن سليمان الجابري خيلاء، كما خرج الوشق والحصيني من كهوف بلدة بوشر ذات زمن إلى مشارب حيّ قلهات ملجأهم وملاذهم الذي شهدوا فيه تفاصيل حياتهم منذ نعومة أظافرهم إلى أن خطت خصلات الشعر السوداء شواربهم، يخرجوا من شرنقة البيوت المتكلسة إلى الأجواء الطلقة؛ ملاحقين رياح النسيم التي تهب على عابية جدهم المرحوم عبدالله بن سليمان الجابري؛ قبل أن يسلم ودائعها إلى أحد المشترين الذين استلموا أمانة حرث الأرض وريها، وتشذيب عذوقها، وجني رطبها وكنز تمرها.

وكأي الأيام عندما تبدأ تباشير الصباح وتطل شمس قلهات من ثنايا الغرف وتبدأ حوارات الأخوين إبراهيم وحمد في أيام العطل لاستغلال أوقات الفراغ في النافع وما يجلب الفائدة والخير الوفير، يمخرون عباب السكة الصغيرة المواربة لمنزلهم، يلامسون الجدران الإسمنتية لعل خصلات شعر الجدّات التي وضعت ذات زمن في ثقوب جدران الطين تخرج لتذكرهم بجدتهم المرحومة شمساء التي ضربت على خمار الأرض وأيقظت الفجر باحثة عن الرقاط من نحيل عوابي بلدة بوشر التي كانت مفتوحة لكل الأيادي الباحثة عن الرزق وكانت ترحب بالأجساد النحيلة المليئة بالحيوية والنشاط؛ لتكرمهم بعشرات جواني العيش المكنوزة بأصناف حصاد الرطب وفي نهاية القيظ تبدأ المرحومة شمساء بعرض ما جمعت من جواني للبيع فيتهافت البيادير لاقتناء ما جمعت يقينًا بأنه الأجود ومسلمين بأنه الأفضل والأخيّر، كون الأيادي الآسيوية لم تدنسه، مؤكدة بأن هذه الأيادي لم تمسد عليه ولو بنظرة خاطفة، هكذا بدت جدتهم التي غادرت الدنيا وبقت روحها سامقة بسموق جبليّ العوينة وقني وهنا يبدأ فصل آخر من فصول الحكايات وبطلها الأخوين الذين انسلوا من مرقدهم، ضاربين على فراشهم هجعة النوم التي تلازم أبناء جلدتهم في مثل هذه اللحظات وفي مثل هذه الأوقات، فيهرعون إلى الجبال مستذكرين حياة جدهم المرحوم عبدالله بن سليمان الجابري، مرافقًا المرحوم الصبيحي وسالم بن خلفان المعشري، كان جدهم تبدو عليه أمارات السرور بعد كل طلقة يصوبها فيصيب أهدافه، وكانت تبدو عيناه باردتين عند رؤيته البريق اللامع من الرقعة البيضاء وهي ترسل بياضها على قلوب الأجداد الذين يصوبون "البوعشر" و"السكتون" إليها وهم منتصبي القامة على ناصية من نواصي حوض العوينة، وتبدو انعكاسة صورهم على حيضان المياه المائلة إلى الاخضرار، جرّاء الطحالب المتراكمة والتي أسبغت عليه اللون الأخضر، وهنا أزاح الأخوين إبراهيم وحمد من مخيلتهم تلك اللحظات، قبل أن يستمعوا إلى خرير الماء وزقزقة العصافير وهديل الحمام وكأنها سمفونية خوان باخ، وفجأة خرّت حجارة كبيرة من قمة الجبل محدثةً دويًا قويًا يصم الآذان، ملتفتين إلى مصدر الصوت في دهشة قبل أن يواصلوا سيرهم إلى قمة الجبل الفاصلة بين جبليّ العوينة وقني، ناصبين علم بلادهم، مفتخرين ومفاخرين به، راسمين لوحة من الفاكهة وقناني المياه، مصوبين لا أسلحتهم كما كان يفعل جدهم، بل كاميرات هواتفهم التي غزتنا من بلاد أصحاب العيون الصغيرة وهنا يتجلى الفارق بين الزمنين.

 





 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

حكايات من عينت والشطيفي؛ جولة في تخوم مطرح

من باحة سيدي أبو العباس المرسي إلى بيت ريا وسكينة

بين الشخوص والأمكنة، تجوال في أحياء بلدة بوشر