أوكسجين الجبل

المغامر الراوي
مقدمة لكتاب (أوكسجين الجبل ) للمغامر الرحال خالد بن سعيد العنقودي.
..... ///.....
رحلات في جبال الحجر الشرقي وجبال الحجر الغربي في ربوع السلطنة
..... ///.....
صورة تجمعني بالمؤلف ومعنا أوكسجين الجبل

يحيى المعشري 📃
في هذا الإصدار يسهب لنا المؤلف في ذكر رحلاته ومغامراته في ربوع بلاده، واصفًا مساراتها وطبيعتها الجبلية، حيثُ يضعنا صامتين وهو يغور بنا في أعماق الأسلوب السردي عبر التصوير التعبيري وكأنه يضرب الأرض على خمار هذه الطبيعة، مستمتعًا وهو يتلذذ بالمشاهد التي يراها تناغمًا وترياقًا، بعدما ابتعد عن روتين الحياة المعتاد، وهو يهيم بنا مشيًا كيفما شاءت قدماه في أعماق الصور المرئية التي يجدُ معها القارئ لذة رؤية قراءة الطبيعة بما تحويه من أمكنة. فهي ميزة متفردة للكاتب، حيثُ لا يبرح أن يترك القارئ ينتهي من قراءة مغامرة إلا ويتوقف شغفًا لقراءة الأخرى، معرفًا بها مسارات المشي في بلاده، فتتشكل لديه فسيفساء وكأنها حجارة متصلة على خيط رفيع؛ ليعيش تفاصيل الإيحاءات والهمسات التي أرادها.
هذا التوغل من قبل خالد العنقودي الذي ذاع صيته من خلال مقالاته التي يكتبها في الصحافة حول رحلاته ومغامراته التي تحبس الأنفاس بيومياتها، ها هو يعود بنا في (أوكسجين الجبل)، حيثُ يغوص بنا في قراءة مختلفة عن التي اعتدنا عليها في أدب الرحلات وهي المغامرات الجبلية في ربوع السلطنة، فإنه تنتابك أطناب من الأسئلة التي تسكن خلجانك مستعرضا حذاقة وفطانة هؤلاء المغامرين الذين لازمهم العنقودي في مغامراتهم، وذلك حول كيفية التصرف وهم يواجهون تلكَ المصاعب والمشقة أثناء الترحال بين هذه الجبال، فالمتمرس في هذه النوعية من المغامرات وحده من يستطيع أن يفك شيفرة المخاطر والصعوبات التي تعترض المغامر، خاصة وأن بعض الأحداث تكاد أن تسوق المغامرين إلى موتٍ حتمي.
ها هو خالد العنقودي يضعنا في أساليب التوثيق لديه وهو يواجه تلك المشاق، فأخذ يشرح الطريقة التي يعتمد عليها في كتابة وتوثيق الأحداث التي تعتريه أثناء المغامرات، بعدما قام بتدوينها في قصاصات يكتبها عند كل مغامرة يقوم بها، فبالرغم من تقادم بعض القصاصات والمذكرات التي اعتمد عليها المؤلف في ذكر تفاصيل أحداث مغامراته للقرّاء، إلا أنه قام باسترجاعها من مذكراته وهو يزور الأماكن التي زارها من قبل.
والقارئ لأحداث هذا الإصدار يجد بأن العنقودي قد جزأه إلى عدة أجزاء من خلال أربعة فصول، وقد شملت سلسلة الفصل الأول (البداية ) مستعرضًا تضاريس عُمان وعودته للجبال وكذلك عن فتى الجبال الذي رافقه في بعض رحلاته، أما الفصل الثاني والثالث فقد رمى العنقودي بمخيلة القارئ نحو مناطق المشي الجبلي في جبال الحجر الشرقي وجبال الحجر الغربي، مستنطقًا بوحه الذي لا ينتهي؛ عندما يمرق بجغرافية المكان، واصفًا الأجواء الطبيعية والميتافيزيقيا، فهو عالم يخفي الكثير من الأسرار ويوفر متعة لا تضاهيها متعة، فهناكَ من المخاطر المحتملة ما لا يحمد عقباها والتي نالت منه في بعضها، كوعورة المسالك التي قطعها وخطورة الجبال التي تسكنها الزواحف والحيوانات في الأحراش.
ومن خلال (أوكسجين الجبل ) أرى بأن الكاتب وكأنه يسير على خطى الأجداد منذ أن كان يافعًا إلى أن جال بنا في عالم الطبيعة البكر، محلقًا بالقارئ عبر المساحات الوارفة الظلال.
إن حب الترحال والمغامرات المحتشدة في روح المؤلف الرحال خالد العنقودي تثير الفضول للدخول إلى عالمه المليء بالشغف، تجلي الوصف لديه عندما تستيقظ عنده الكلمات على ناصية كل الدروب والمسالك التي تطأها قدماه، فيتلذذ بوصفها؛ ليتيح لنا الحصول على قصة جميلة محبوكة بطريقة سردية عن أدب الرحلات والمغامرات.
فالمؤلف الذي تصاحب يراعه وهو يخط حبره عبر مغامراته التي لا تنتهي، هو ذاته الذي إذا ما أتيحت لك الفرصة لمرافقته في مغامرة ما مسربلًا ومسبغًا علينا روائع الرحلات التي يقوم بها بين الفينة والأخرى وهو ذاته الذي يمتاز بمزايا يعرفها كل من اقترب منه، ولعل أبرزها ميزة التواضع من خلال مصادقته للجميع.
هنا لم يكتف الرحال خالد العنقودي أثناء ترحاله بمشاهدة الطبيعة من بعيد فحسب، بل عكف على الخوض في أجزاء من تفاصيل التفاصيل، واصفًا الكائنات التي مروا عليها، كالحشرات والزواحف وأسراب الطيور، ممتطيًا قمم الجبال بتكويناتها والمواقف التي تصاحبهم في هذه الرحلات فأخذ يستنطق النص القصصي في قالب سردي شائق ويختلف هذه الإصدار للكاتب في جماليات سرده في باكورة أعماله "أفينيو دو بيغست" والآخر "سفرٌ لم يُرو بعد"، فالصورة التي لازمت الكاتب من خلال الوصف تختلف في تفاصيل مجرياتها عن التي يسردها هنا أثناء ترحاله بين الجبال في ربوع سلطنة عُمان.
 

 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

حكايات من عينت والشطيفي؛ جولة في تخوم مطرح

من باحة سيدي أبو العباس المرسي إلى بيت ريا وسكينة

بين الشخوص والأمكنة، تجوال في أحياء بلدة بوشر