ساندرا والمسؤول العود
(قصة
قصيرة)
ساندرا والمسؤول
العود
انتزعت ساندرا
الخوف من كلِ شيء في مقر عملها وبدأت تلوح للجميع بعبارات مبطنة وبعد مضي برهة من
الزمن على مراحل تعيينها الأولى في المؤسسة التي تعمل بها وبعد حين من الوقت بعد
أن تلفعت بعباءة المسؤول العود وألقت شباكها في يمه وبدأت تتقرب منه ويتقرب منها
وتبادله المشاعر ويبادلها، قامت تتفوه بأقذع العبارات وبدأت ترشق المحيطين بألفاظٍ
مقززة، وبدأت تتقاعس وتتغنج، وتتفحص الجدران وأروقة المكاتب، كانت تردد عبارات
كثيرة، تندفع وترتمي على أحضان البؤس والشقاء الذي يودي بها في طريق الهلاك ذات
وقت، حفظ وحفظ الندماء أهم عبارة ترددها بين الفينة والفينة حتى غدت أيقونة سيئة
تخرج من فاها متى ما سنح الوقت فكانت تقول: اذهبوا إلى الجحيم، أنا لا أعبأ بكم
ولا تعنوا لي مثقال ذرة، أخذ المدير يستشيط غيضًا من تصرفاتها في الآونة الأخيرة،
حاول مرارًا وتكرارًا أن يغض الطرف؛ ليس لأنه يهابها أو يعمل لها أيُ حسبان، فقد
تعدى الأمر هذا الإحساس وقد تجاوز هذا التفكير، لكن ساندرا تمتلك من السطوة ما
يفوق قريناتها، فهي من يحقُ لها الحضور إلى مقر عملها وقت ما تشاء وتفعل ما يحلو
لها وتنصرف وقت ما تشاء؛ لسببٍ بسيط لا يتعداه، ألا وهو معرفتها المباشرة بالمسؤول
العود، فهو سدّها المنيع الذي تحتمي به وهو حصانها الجامح وقوتها وقت الشدة التي
تتكئ عليها من بطش المدير والزملاء كما كان يُخيل إليها.
كانت عيناها
زائغتين، تمرق بنظراتها قلوب المريدين، تتجول ببصرها كل في شتى الميادين، اندلق
ذات يوم عصر عنب كانت تحتسيه على مهل ولأن يداها لم تقو على حمل الكوب انسكب على
ملابسها وتعمدت رفع ملابسها للأعلى حتى ترينا ما يخبئه أقدار ذلك الجسد المفتون
الممشوق، أتلصص الهنات التي ستصدرها وأتلصص الاستشاطة التي ستبديها، لكن شيئًا من
هذا لم يحدث يا لسخرية القدر!
بعض الزملاء في
المكاتب المواربة والمكاتب الأخرى في ذات المؤسسة تمتلئ عروقهم بالغضب جرّاء هذه
التنازلات؛ خاصة عندما ينبرئ المسؤول العود عنها مدافعًا، فدون أدنى شك هو المؤجج
الذي يشعل الثورة في قلوب الزملاء والزميلات بعد أن يرمي عليهم ثقل العمل وتبقى
ساندرا سيدة المواقف وسلطانة الأحداث.
القرار///
أرخى المدير ذات
يوم قرارٍ إداري يفضي إلى تنظيم سير العمل في الدائرة وشدد في ذلك القرار على
مسألة المواظبة على العمل والالتزام، فهمت ساندرا بنرجسيتها وحالة التشظي التي
تختلجها بأنها المعنية بهذا القرار فور أن تلقت رسالة داخلية كانت قد وزعت على
جميع الزملاء والزميلات بما فيهم هي، ثمة شيء أربكها، انهمرت دموعها بتغنج ودلال
ورفعت سماعة الهاتف وضغطت على أزراره المتراصة؛ قاصدةً بذلك محول المسؤول العود،
موجهة له اتهامها المباشر للمدير، تود إخباره بأمره وأمر ما يُكاد إليها من قبل
ثلة من الزملاء، ألقت على زميلتها المقربة في المكتب المجاور نظرة مشفقة، ما كان
من جارة المكتب إلا أن أرهفت السمع إلى حشرجة صوتها المنبعث والملقى باحترافية
وكأنه ثعبان أخذ يزحف إلى فريسته، يتحسس بملمسه الناعم طريدته بغية أن ينالها
بمخالبه السامة.
وقف المدير
مشدوهًا يخاله شيء من الهواجس، فزعًا مما ستؤول إليه الأحداث في قادم الوقت فور أن
علم بفعلتها، مترقبًا قرار نقله إلى موقعٍ آخر أو إنزاله درجة أقل تبعده عن مهام
الإشراف وتركنه في خندق اللامسؤولية.
بدت عينا المدير
غائرتان ذابلتان جرًاء البهتان والزيف الذي ألقته عليه ساندرا وامتلأت ملامحه
بالألم وراح يبدي امتعاضه من السفه والتيه الذي يمارس عليه وعلى طريقته في الإدارة؛
نتيجة التصرفات الصبيانية التي تسير على عجلة الشهوانية وتمارس الضغوط على إدارته
لفريقه الذي أراد له أن يكون في طليعة الفرق، حاول لمَّ الصراع الإداري الذي بدأ
يدب أركان الزملاء وبدأ ظِلاله يُلقى عليهم في طريق النكران.
انطباعات///
الزميلات في
الدوائر الأخرى وفي المكاتب المواربة لمكتب ساندرا بدأن يلحظن هذا التغير على أداء
المدير ورفاقه وبدأن يستشعرن هذا التبدل الجذري والشقاق الذي أحدثته ساندرا بين الندماء،
ما أربك سير العمل وأربك جدية العمل لدى المدير المغلوب على أمره، فبدأ يختلق الأعذار
ويتحين فرص الفرار من العمل، وفي اللجان الموكلة إليه أصبح يمسد على المعاملات كما
تحمل الأم الرؤوم رضيعها برقة وحنان؛ دونما تمعن في بواطنها ودونما إيغال في
مراميها، هذا الأمر أعطى المسؤول العود الأحقية على اتهامه بالقصور في أداء مهامه
الوظيفية وتكاسله وتكلس إدارته، فأعطاه مساحة واسعة من التهميش ومارس عليه السلطوية
وفتح فروع مناوئة من زملاء ساندرا (مروجو الأخبار) الوشاة، ليقوموا بمده بمعلومات
الدائرة وإدارة المدير لفريقه بالصورة التي يروها هم وبالطريقة التي يرغبون في
إيصالها للمسؤول العود. فقد تشهد الأيام المقبلة مفاجآت تقبل الخيارين، إشراقة
تنير الطريق إلى جادة الصواب أو عتمة تضيّق الخِناق على المدير ومؤيديه.
الأحد 9 ديسمبر
2018م
تعليقات
إرسال تعليق
مؤكد تعليقاتكم محل اهتمام