أخدود الغدق وتجوال الزمان

أخدود الغدق وتجوال الزمان
يحيى المعشري 📝
 
تطواف لم يستغرق أكثر من عشر دقائق في ربوع الطبيعة في أحد أحياء بلدة بوشر، ستعرفونه حال رؤية زوايا الصور ـأو قراءة ما بين السطور، فلتحزموا الأمتعة فموعد الإقلاع قد حان.. هيا معي أيها الرفاق.
...........
غادرت جال صبيحة هذا اليوم ودنوت من عناق اللحظات وكلي شوق إلى رؤيتها بعد عشية يومٍ ماطر وبعد أن انزاحت غمامة السيول العرمة التي أحدثت ما أحدثت من تكسير وتدمير للبنية التحتية التي تفزع من رشة مطر كفزع الطفل من الأشباح في يومٍ مظلم حالك السواد، وفور أن أوقفتُ سيارتي بجوار مزرعة الربة؛ تواريت خلف شجرة كثة مليئة بالأحراش وانتظرت لحظات من الوقت أتأمل المياه التي بدت تجري بين الحجارة بانسيابيه تامة.
 
يبدو أنها الأخرى شهدت حروب ضارية؛ تلاطمت معها وتحركت في غير مواقعها المعتادة وهي التي صمدت عقود من الأزمنة، أزحت عدسة هاتفي الهواوي وقررت أن تكون جولتي الصباحية مختلفة لهذا اليوم عن سابقتها من أيام وفور رؤيتي تلكم المشاهد بعد وأبل هطل عليها لم أقاوم المناظر الملهمة التي دائما ما تدفعني لالتقاط صور أخرى تتكرر فيها اللقطات وتختلف الأوقات والمعاني.
 
سامحت نفسي العصية، لكنني لم أشأ أن أُسامح عدسة هاتفي من أن تلتقط كل صوره عن صور الزوايا، دثرت العدسة بغطاءٍ بلاستيكي وأنا على شفا جرف عند ساقية لجل الشم؛ حتى لا تتطاير قطرات المياه الوجلة إليه، حينها شاهدتُ الفزع يتسلل إلى طائر البابو القابع على حافة الشرجة، ترتعد فرائسه من الخوف، كان يرمقني بنظرات ملؤها الفزع، كنتُ أتمعن في المكان وأرقب من بعيد إلى أن توارى عن الأنظار وجفل بعد أن لمحني أصوب عدسة هاتفي إليه، تلاشت كل الأشياء الجميلة لحظتها عدا الطيف الذي بدأ يومض بتسارع، وجدت الأرواح هنا تعيش حالة تأهب من كل شيء، يتسلل إليها الخوف كما تسلل إلى الأم الرؤوم وهي ترقب طفل الحجارة في القدس الشريف يصوب نباله باتجاه بني صهيون الغاشم.
 
رائحة المطر وشذى الزهور ذات اللون الأصفر الصافن في شجرة الفرفارة، تتدلى الأغصان فرحة كفرحة طائر الوراد المهاجر الذي أصابه الضمور، شيء من الحنين ساقني إلى سبر أغوار المكان، بين ضيق الوقت وموعد العمل والرغبة في مواصلة البحث عن الجديد في الكائنات الأخرى، ظللتُ أمشي كالتائهين الذين غيبتهم الحياة، رمقت الحجارة الصلدة بحس العاشقين المتيمين وشعراء المعلقات المغيبين، فكانت تلوحُ هيا أقبل إليّ، واصلت المسير بخطى متثاقلة، أرخيت كلتا يداي مشيراً إلى أحواض المياه، موجهاً عدسة هاتفي إلى أماكن الجمال، جفلت العدسة وبدت هي الأخرى على غير العادة تبحثُ عن موقع يُدهشها ليكون في قعر الهاتف ضمن الصور العالقة في شآبيب الزمان بعد حين، تجولت بين عابية المسجد؛ فرأيتُ النخيل السامقة تصطفُ بتناغم وشموخ، ارتحلت بأفكاري في عالمٍ سرمدي أراد أن يسرق اللحظات السعيدة في هذا التِطواف، دنوت من لجل الباردة وقبل أن أصل إليها أشحتُ بنظري إلى ساقيتها، فكانت وللأسف قد تهشمت جرّاء جريان السيل عليها، لم تحتمل تدفق المياه التي تجمعت من شعاب الجبال فأخذت تنداح إلى وادي العوينة بقوة أزاحت الصخور المتكلسة، انتصبت قامتي عند الساقية المتهشمة وحاولت اعتلائها فلم تقاوم ولم أُقاوم المصير الذي آلت إليه، فباءت محاولاتي البائسة في محاولة إصلاح ما يمكن إصلاحه، عندها عرفتُ بأنني واهم فكيف لي أن أقوم بما أود القيام به لإصلاح الفلج وأنا لا أمتلك إزميلا يعينني على إصلاحه وإزالة العوالق ولا منجلا يرفع عني تكلفي باستخدام يدي التي اكتفت بحمل الهاتف.
الخميس 1 نوفمبر 2018م
 






















 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

حكايات من عينت والشطيفي؛ جولة في تخوم مطرح

من باحة سيدي أبو العباس المرسي إلى بيت ريا وسكينة

بين الشخوص والأمكنة، تجوال في أحياء بلدة بوشر