في خاصرة زنجبار، عزف على وتر المدينة الحجرية
![]() |
أزقة المدينة الحجرية تتنفس عبق السلاطين |
إن الترحال وحب الاستكشاف الذي ساقني ومن معي إلى معرفة ما تمتلكه درة شرق إفريقيا، زنجبار أندلس الشرق، من إرث عظيم يحسدها عليه ما جاورها من ذات القرن الإفريقي، هو ذاته الذي ساق الأوروبيين والعديد من السحنات من مشارب الأرض لمعرفة الكنوز المفقودة في هذا الإقليم المنسي، فقد شاهدتهم يتجولون بين أزقة أنجوجا بأعينٍ فاحصة وقلوب حريصة على تصيد الأماكن بتمعن، يستمعون حَسِيس الجدران، يتفحصون الطرقات وأزقتها، فقد كانوا يصوبون كاميراتهم على ردهات المدينة الحجرية وما تحويه من تماسك عجيب بقي صامداً إلى يومنا هذا، وعندما كنتُ أهم على تقليب صفحات مذكرات أميرة عربية للأميرة سالمة- إيميلي رويته في طائرة الذهاب، وبين تصويب العدسات لأحد الأوروبيين وزوجته أو خليلته الذين ما فتئوا أن يخرجوا من شرنقة الجدران بعد قضاء ليلة هانئة في إحدى نزل المدينة الحجرية التي طالما آمنتُ بأن السكنى بها بمثابة عودة الروح إلى عهد سلاطين عُمان وبين تقليبي صفحات المذكرات التي تغور بالقارئ في بيوت السلاطين وتحركاتهم وسكناتهم، بين حياتهم وتقلبات الأمزجة؛ بدءاً من الامبراطور سعيد بن سلطان إلى السلطان الأخير جمشيد بن عبدالله.
دهشتُ وأنا أتجول بين أروقة المدينة الحجرية من توافد السحنات الأوروبية إليها وقضاءهم بها الأسابيع والأشهر، وأعيش الغرابة المفرطة عندما أعلم بأن أبناء من فرَّوا من هجير الانقلاب الدموي الغاشم لم يبرحوها إلى يومنا هذا؛ رغم أن أملاكهم لا زالت تتنفس الحياة، ولا غضاضة من هذا التوهان وعدم تقبل العودة إلى مرتع زنجبار؛ نتيجة الهلاك الذي أحدثه الأفارقة في أهاليهم وذويهم، فالدم المسال من الصعب نسيانه، والتعذيب والتنكيل من الصعب تجبير جراحه بين يومٍ وليلة، وبتوغلي بين الطرقات كانت مثاعيب زنجبار تتقاطر بعد أن غمر أسطحها ماء المطر، كنا نتفرس انهمار المطر بأعين المتشوق إلى زخاته دونما توجس ودونما نفور، وفي دواخل أحياء زنجبار كنتُ ألمح أحياء بلدة بوشر قبل نيف من الزمن، فالأرض هي الأرض والمكان هو المكان، والدِماء التي سكنت عُمان حينذاك هي ذات الدِماء التي سكنت زنجبار، وفي غمرة التفحص أشار خالد قائلا لناصر نصير: وقد اغرورقت وجنتيه وفاضت عند رؤيته الأبنية تتهاوى في أجزاء منها.
هلم لنعيد مجد الأسلاف وحكاياته، هلم لنواري سوءات الجحيم الغاشم، ولنستمع إلى المآذن وهي تصدح باسم الله، الله أكبر، حتى لا تطمس آخر هوية إسلامية وتندثر، واندلقنا وآمالنا تسابق خطواتنا؛ مستفكرين في الهندسة المِعمارية، متفحصين عقول السلاطين اليانعة، المتشربة من متانة التجارب في إنشاء المدن والقصور.
دهشتُ وأنا أتجول بين أروقة المدينة الحجرية من توافد السحنات الأوروبية إليها وقضاءهم بها الأسابيع والأشهر، وأعيش الغرابة المفرطة عندما أعلم بأن أبناء من فرَّوا من هجير الانقلاب الدموي الغاشم لم يبرحوها إلى يومنا هذا؛ رغم أن أملاكهم لا زالت تتنفس الحياة، ولا غضاضة من هذا التوهان وعدم تقبل العودة إلى مرتع زنجبار؛ نتيجة الهلاك الذي أحدثه الأفارقة في أهاليهم وذويهم، فالدم المسال من الصعب نسيانه، والتعذيب والتنكيل من الصعب تجبير جراحه بين يومٍ وليلة، وبتوغلي بين الطرقات كانت مثاعيب زنجبار تتقاطر بعد أن غمر أسطحها ماء المطر، كنا نتفرس انهمار المطر بأعين المتشوق إلى زخاته دونما توجس ودونما نفور، وفي دواخل أحياء زنجبار كنتُ ألمح أحياء بلدة بوشر قبل نيف من الزمن، فالأرض هي الأرض والمكان هو المكان، والدِماء التي سكنت عُمان حينذاك هي ذات الدِماء التي سكنت زنجبار، وفي غمرة التفحص أشار خالد قائلا لناصر نصير: وقد اغرورقت وجنتيه وفاضت عند رؤيته الأبنية تتهاوى في أجزاء منها.
هلم لنعيد مجد الأسلاف وحكاياته، هلم لنواري سوءات الجحيم الغاشم، ولنستمع إلى المآذن وهي تصدح باسم الله، الله أكبر، حتى لا تطمس آخر هوية إسلامية وتندثر، واندلقنا وآمالنا تسابق خطواتنا؛ مستفكرين في الهندسة المِعمارية، متفحصين عقول السلاطين اليانعة، المتشربة من متانة التجارب في إنشاء المدن والقصور.
ربّتُ على كتف ناصر نصير؛ هامساً بإيماءة مليئة بالشوق إلى معانقة ورؤية المزيد من المشربيات وملامسة القمريات بأقواسها المزخرفة، هيا لنروي ضمئنا من تقاسيم المدينة وتفاصيل الأرواح التي سكنت الأمكنة، متآخي مع ذاتي ومتسامي مع سريرتي وأنا أحدق في مجد الأسلاف وبين العمارة والحياة والتمازج بين الأرض والإنسان، وفي الداخل رأينا الرسامين يفترشون الأرض، عارضين ما خطته أياديهم، رغم قتامة الوجوه ورغم بساطة العرض، إلا أن غرف الرسومات تتنفس الفن والإبداع، تلامس القلوب وتتفرس الوجدان، فالعين في هذه الأزقة لم ولن يكفيها ويشبع نهمها هذا الجمال، والأنف تشتم عبق المكان ورائحة الزمان بتفاصيله. ويستمر التفحص وتبدأ الوجوه تكفهر وتحتقن مما تراه عندما تناغي البنيان الذي شارف على الهلاك، وبعد أن ابتعت بعض المقتنيات من بعض الباعة القابعين بين أزقة المدينة الحجرية، قفلنا عائدين إلى العجوز الهندية بيجين التي بلغت من العمر تسعين عاما، لتحكي لنا حكايات بقت حبيسة في الذاكرة، تحفظت عن ذكر أغلب تفاصيلها، وقد يتسع المجال للحديث عنها وسبب مكوثها في زنجبار وتحدثها اللغة السواحيلية بطلاقة وسلاسة وتحسسها الأبنية بطرقاتها. وبعد أن طوينا صفحة العجوز بيجين وحكاياتها التي لا تنتهي، كان سؤالي لناصر نصير.. ترى أين سيؤوب مجد الأسلاف بعد نيف من الزمن وهل ستبقى الأبنية متربعة على عرش السلاطين بعد حين..؟
الأربعاء 11 يوليو 2018م
تعليقات
إرسال تعليق
مؤكد تعليقاتكم محل اهتمام