سدود البلديات تُغرق العنكبوت مكونو


رسالة موشحة بروائح اللبان الحوجري لفرسان السدود في البلديات

يحيى المعشري
12 يونيو 2018م
((وزير البلديات والوكيل العبري يستمعوا لشرح المهندس محمود العزري))
بعد ما أُطلقت صفارة الخطر، آذنة بقدوم الضيف الغير مرحب به مكونو، انشتر الناس في محافظتيَّ ظفار والوسطى إلى مناطق الدفء والأمان وهبّت عُمان من أقصاها إلى أقصاها؛ ملبية نداء الوطن لنصرة الأحبة هناك، وكان مكونو على وشك الوصول إلى مضارب سمحان وحديقة الصخور لتحيط لفيف رياحه العاتية بكل ما أُنجز في عصر النهضة المباركة التي أطلقها عاهل البلاد المفدى سدد الله خطاه، فضاقت القلوب وجلة من لسعة العنكبوت المالديفي، فالقادم اليوم ليس من صنع البشر ولم يكن نتاج إنساني محض، فالطبيعة وتشكلاتها عندما تبدأ التكوين لا تطرق أبواب المكان والزمان، ولا تهمس أو تستأذن أي دابة تعترض طريقها ولا تطلب الود من أحد، فأي اعتراض اليوم هو بمثابة وخز السكين في الخاصرة وقد قَدِم مكونو أرض اللبان، ظفار المجد ومحافظة الوسطى دانة الشواطئ، الوادعة بطبيعتها البدوية وسخاء أُناسها، ولأن الاختيار الرباني قد قرع أبواب سلطنتنا الحبيبة بعد سقطرى اليمنية، كان علينا أن نحرك قوانا وعتادنا ونتهيأ تأهباً للتصدي للضربات المعلونة والمباغتة، فهذه النوعية من الكوارث المدارية عندما تقع على أي قطر من أقطار المعمورة لا تستطيع أي قوة مهما كانت عظمتها، أن تحرك ساكنة، سوى حصر ما ينتج من أضرار محتملة والعمل على معالجتها تباعاً بعد أن تنقشع الحالة وتنحسر، ولأن التجارب السابقة التي عصفت بلاد السلاطين علمتنا الطرائق الاحترازية للتعامل مع هكذا حالات وفي مثل هذه الظروف الاستثنائية، انتشرت قوانا في كل رقعة وأرخينا بواسلنا الأفذاذ في كل مكان، وعند ضراوة الحضور الماكر لـ "مكونو"، كانت سدود البلديات واحدة من الجنود التي وقفت سداً منيعاً في وجه "العنكبوت"، فقد أكدت حاهزيتها وكان الندماء في دائرة السدود يطمئنون الأرض والناس والدواب بأن سدودنا منيعة وسعتها تتغلغل في قلوبنا التي تحويكم وتحوي قلوبكم المتدفقة من عيون مياه جرزيز وحمران وعندما رفع المهندس محمود العزري جهاز غراهام بيل اللاسلكي لطمأنة الناس عن سدّي جرزيز وصحلنوت وما جاورهما من سدود، كان صوت العزري يصدح عبر الأثير، متحدثاً عن مناسيب المياه وهي تتلاطم وتتعانق عناق الأحباب بعد طول غياب، ويبدأ المذيع سؤاله مراراً وتكراراً عن الجاهزية التامة وكفاءة السدود مشيراً ومعيداً السؤال ذاته المرة تلو الأخرى، كان العزري يصف السعات التخزينية بأنها عالية وتصل إلى ملايين الأمتار المكعبة، وعندما فرغ المذيع عبر الأثير سؤال المهندس محمود، عاد المذيع الآخر في إذاعة هلا أف أم بسؤال ذات السؤال للدكتور راشد العبري المدير المساعد الذي كان الساعد الأوحد والثاني والثالث في طمأنة حشود الناس في سمحان والسعادة والمغسيل ومن قبله على المحافظة وأهلها في ثغورها، وبسلاسة المتمرس يسترسل الدكتور العبري في حديثه مؤكداً ومشيراً إلى أننا جاهزين وثقتنا بعد الله في كفاءة ما نعمل عليه حاضرة وليس من باب طمأنة الناس فحسب، وإنما هي تراكمات السنين والخبرات التي تشربنا منها في إقامة السدود؛ هي من تبيح وتجيز لنا هذا الحديث حتى عندما يتهكم "مكونو" على أرضنا.
(( فرسان غرفة التحكم ومقرها في وزارة البلديات الإقليمية وموارد المياه بالخوير))
فأهل ظفار أهلنا وأهل الوسطى تظلهم سماءنا وعندما يتحدث الدكتور عن تكوين الحالة المدارية وحالة السدود، كان الوزير الشحي ووكيل قطاع موارد المياه ومن معهم يرقبون بحرص في محطة المراقبة الخاصة بمتابعة الحالة المدارية ما يدور وأمامهم شاشات الأخبار وشاشات المراقبة وغرف التحكم تضيء وحدها في عتمة بقية المكاتب، وعندما حاول النوم أن يتمكن منهم بدأت أطراف أهدابهم تحدق بحرص على ما كان  في مواقع الإعصار "مكونو" وما سيكون، وبدأت الأفواه تفغر وانعقدت الحواجب وبدأوا يسترقون السمع بإتقان وهم يتابعون بحذر إلى أين ستؤول زوبعة العنكبوت، وبعد أن تلاشت الحالة المدارية وبدأت بالانحسار امتلأت ملامحهم بالفرح وهتفت المذيع قائلا: نحمد الله بأن "مكونو" شارف على الزوال والأمطار بدأت تخفت ومناسيب السدود تطرح كما يطرح الماء بقوة من السطوح في البنايات العالية، وقبل أن يطوي الرفقاء في البلديات سجلات الإحصاءات التي تشير إلى كمية المياه قبل وبعد الحالة المدارية، تألقت عيونهم ببريق المنجز العظيم في نهضة عُمان المباركة وغرد الرائع خالد الهوتي في تويتر متابعاً الحالة منذ تكوينها إلى أن وصلت إلى بر الأمان، وابتلع كل موظفي السدود ريقهم وغمغموا هامسين متضرعين للخالق بالشكر الجزيل على متانة السدود التي أغرقت "العنكبوت مكونو" في ظفار والوسطى، فطوبي لكم أيها الرفاق.



 
 
 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

حكايات من عينت والشطيفي؛ جولة في تخوم مطرح

من باحة سيدي أبو العباس المرسي إلى بيت ريا وسكينة

بين الشخوص والأمكنة، تجوال في أحياء بلدة بوشر