بائع الكيروسين
كتب
يحيى المعشري
يتحرك بائع الكيروسين باكراً وتصحو معه
همم رجل الزمان في حكايات كان يا ما كان، اندفع هذا البائع منذ عقودٍ خلت، متجولاً بين
حارات وسكيك خور بمبه المتشابكة، متنقلاً بين حارة الشمال والغبنة، قاطعاً وادي خلفان
وعقبة ريام بمطرح، و يبدأ التحديق عبر اطلالة المدبغة وحارة الزدجال، ليرفع رايات السلام
والتحايا إلى عسكر بوابة مسقط التي تجف عند أخبارها الأقلام، وهناك في دواخل عمان مهد
الإمامة، قبالة الشهباء تلك القلعة الشامخة بشموخ أهل العلم، وفي حارة العقر ومنبع
تنوف يحمل الأجداد قناديلهم بوفتيلة وسراج بوسحة، يبحثون عن بائع الكيروسين كما يبحث
الفقيه عن مسائل العلم بتجواله في أرباب الكتب، فيشع من وجهه النور وتكفهر من علمه
وجوه رجالات الجهل، مستلهمين من عدل الوارث الضياء ومعدن الإنسان، مستفكرين في كرامات
النور على قبره في سعال فيما رواه السالمي في تحفة الأعيان في سيرة أهل عمان، يتحرك
بعربته ذات الإطارات المهترئة، يجرها حماراً
في رحلة البحث النور، وفي بوشر بلدة المحقق الخليلي كعبة المعلمين والعلماء،
عند عريش المرحوم حمدون الراعي" رحمة الله عليه، تعلق القناديل بجوار الحب"
والجحلة والخرس، كما علق ذات يوم الخديوي الفوانيس في شوارع طلعة حرب والمهندسين بكنانة العرب مهد الفراعنة،
فيذوي رجل الكيروسين على حماره وتذوي معه أحلامه البسيطة باحثاً عن قوت يومه، عاصباً
صرته وبها بضع ربيات تعينه على مواجهة تحديات الزمان والإنسان.
25 يونيو 2016 م
تعليقات
إرسال تعليق
مؤكد تعليقاتكم محل اهتمام