الضيف مكونو ولحمة وطن

كتب
يحيى المعشري
...عادة الضيف في عصرنا الحالي عندما يُقبل على مضّيفه يشعره بمقدمه بفترة، قد تطول أو تقصر المهم هنالك تنسيق مسبق؛ يستطيع المضّيف من خلاله وضع التجهيزات المناسبة للضيوف، وهذا ما فعله مكونو مع العُمانيين وكانت الضيافة على أوجها وكان الاستقبال على أفضل ما يكون وبأحسن الطرق والسبل.
 

رنّ جرس الإنذار وأعلن مكونو قدومه وبرفقته الرياح الشديدة والأمواج العاتية، ويصحبه لمعان ووميض البرق وفرقعة ودويّ الرعد، لم تستنكر وتستهجن محافظة ظفار حضور الضيف، رغم الاتفاق المبرم بأن يحضر لوحده دومنا آخر يصحبه ودومنا نديم يرافقه في طريقه إلى المضّيف، لكن مكونو أخل بالمواثيق، فأحضر معه رفقائه المتوقع حضورهم بحسب الأرصاد الجوية والقراءات العديدة وخرائط الطقس، لكن يبقى الاتفاق اتفاق والتنسيق المسبق مجيئه لوحده هو الذي ينبغي أن يكون، لكن هيهات هيهات، هل نعتبر هذا نكوص أو تراجع أو لربما الأقرب نكث مكونو العهد ولم يلتزم بما حدّث به محافظة ظفار سلفا، إلا أنه وكعادة أهل الجود والكرم لم تمنعهم الكلمة بأن يحاجوا الاتفاق ولم يشاؤوا أن يلوموا الضيف ولو همسا أو غمزا عابرا؛ تُحسسه بعدم تقبله وعدم الرغبة في استضافته، فما كان منهم سوى إعداد العدة وتجهيز المستلزمات الملائمة وفق الظروف والامكانات؛ لاستقبال الضيف وضيوفه الذين لم يكونوا في الحسبان، فهم في عهدة أهل ظفار الأعزّاء.


وعندما عَلم أهل عُمان قاطبةً بمقدم الضيف ومعه رفقاءه، ما كان منهم إلا أن هبّوا فرادا وجماعات لإكرام الضيف وضيوفه ضيوف الرحمن، والغريب في الأمر أن أهل محافظة ظفار لم يخبروا عُمان بالضيف ومن معه، فقد فهم الجميع دوره وعرف كيف يروّض قدراته بما يتناسب ورغبة الضيوف، وقد تم تقسيم الأدوار على الجميع دونما تنسيق مسبق، فقامت البلديات بتجييش معداتها وعُمالها، سدودها وفنيي المراقبة ومن يشرف عليهم، الكل بدا عليه التأهب والكل عرف كيف يكون دوره وما يمكن القيام به، وعمدت شرطة عُمان السلطانية، حماة الديار بفخر واقتدار، فهب الأفراد للقيام بمهامهم الميدانية والإنسانية دونما دعة أو تخاذل.
 
وانبرأت القوات المسلحة بكافة أطيافها وهم من أقسم بالله والوطن والسلطان بالذود عن حياض الوطن في الرخاء والمحن، في السراء والضراء، فسجلوا تاريخ وسجل يوائم قيمة التاريخ العُماني وأخلاق وشهامة أبناء هذا الوطن الأبي، ومن مكاتب المحافظين والولاة هبت الفرق المساندة لوضع الخطط والبرامج التي تعد لاستقبال الضيف ومن جاء معه في مثل هذه الأوقات الفجائية في شهر رمضان الفضيل، فما كان منهم سوى العمل بروح الفريق وكأنهم خلية نحل تستقي رحيقها من موائلها.
وفي مساءات قائظة الحرارة هم ساهرين، وفي الصباحات المشرقة ملبين النداء، لا يهنأ لهم جفن ولا تخمد عزيمتهم للقيام بمهامهم وفق ما يمليه عليهم واجب إكرام الضيف وتهيئة الظروف المناسبة في هكذا أوضاع، وعندما شارفت عزائم البعض أن تخبو تذكر مقولة بن علوي الخالدة "من لديه شعب مثل  الشعب العُماني، لا يعرف الهزيمة"، فالهزائم تقارع بالعزائم، والتخاذل يقارع بالهمم، وفي العالم التقني كان على محافظة ظفار أن تعلن بفرح عن مقدم الضيف وكان عليها أن تبين مدى رباطة جأشها عند هكذا أحوال، فأرخت العالم التقني وأطلقت العناوين وبدأت تهلل وترحب بمقدم الضيف وتشعره بمدى التلاحم والتآزر والتآخي الذي يميز العُماني في ثغور الوطن قاطبة، وقبل أن تقترب نسائم مزن الضيف مكونو، تحركت الخدمات الصحية من قمقمها وهيأت مراكزها واستنفرت أقصى طاقاتها وخططتها وجهزت كوادرها وبدأت تعد العدة لأي طارئ وأي طلب رعاية صحية وفتحت بعض المؤسسات تأهبا للضيف خطوطا هاتفية تستقبل طلبات الضيف ومن يصحبه، والأخرى هيأت سبل التصريف لتنساب المياه الجارفة بأمان وسلام، وعندما تهدأ الأوضاع وتسكن سريرة الضيف، ستأتي النقل وقطاعات الطرق والكهرباء بتمهيد ما خلفه ومن معه من تبعات، إلى أن عاد أدراجه وخف هيجانه ليبدأ الأفراد بالتشمير عن سواعد الجد ويفدوا إلى محافظة ظفار لتقديم معوناتهم وخدماتهم، سواء بسواعدهم أو المعونات المقدمة من أصحاب الأيادي البيضاء، وهكذا أثبت العُماني في مشرق عمان ومغربها، جنوبها وغربها بأنه قادر على استقبال أي ضيف يُقبل عليه، فمن حمل السلام والوئام فأهلاً وسهلاً به ومن أضمر عكس ذلك، فالضيف ضيفنا وأهل عُمان قاطبةً على أتم الاستعداد لإكرامه، حفظ الله عُمان وقائدها المفدى وأهلها وعمّ عليهم الخير والرخاء.






 

الأحد 27 مايو 2018م

 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

حكايات من عينت والشطيفي؛ جولة في تخوم مطرح

من باحة سيدي أبو العباس المرسي إلى بيت ريا وسكينة

بين الشخوص والأمكنة، تجوال في أحياء بلدة بوشر