من وكان العجيبة إلى قرية حدش

كتب
يحيى المعشري
 
في هذا اليوم المشرق بشروق وجوه رفقاء  المسارات الجبلية، قمنا بحملة نظافة عبر مسار "وكان" إلى "حدش" من الصباح الباكر إلى نهاية اليوم..
مدخل/
 
 
من العامرة مسقط تندلق سيارات الرفاق إلى محطة بنزين شل وتعود تراتيلهم متناغمة إلى تخوم لاهاي في بلاد الطواحين قبل قرن من الزمن، ويمكثون برهة من الوقت في لحظات انتظار وأياديهم تطّوق فناجيل القهوة، وينطلقون عبر طريق برج الصحوة حاملين حس وجلال الوطن العظيم بشموخ رجل الأمس العصيّ على نوائب الزمان..
 وكان حُزيران من العام قبل المنصرم شهراً أفاقت على إشراقته أُولى حملات رجال الجبال بقيادة الزعيم عبدالله المقيمي وأستاذة تقنية ابراء سارة sara التي تنصاع تحت خطواتها أعتى الصخور الصلدة، عندها قام الرفاق بلملمة أفكارهم بين مؤيد ومجافٍ، بين مُقبل وحيران.
 
 ويحني العنقودي بكلتا يديه إلى الأرض؛ فارشاً تعليماته على المغامرين وجباههم تلاطم رياح قرية"وكان" الباردة.. ويُسدي اسحاق الخنجري أوامره وهو القائد الذي لانت تحت قدميه سفوح الجبال إلى فريقه "ماشي على طول" لتبدأ رحلة التطوع مذ شقت الشمس أولى خيوط الفجر، مهمهمين إلى مقصدهم عبر مسارات قرية "وكان" العجيبة، متسللين سفوحها الجبلية، تسبقهم همهمات الشموخ وقلوبهم راسية إلى الأعالي.. وبحماسة شباب التطوع يندحرون كأسود يطوقون أقفاص النعاج كما يندحر رجل العلم على كُتب الفقه وسيرة خير البرية سيد الكونين والثقلين، يواصلون لقط وجمع ما على البسيطة من قذى أرهق جوفها وأدمع أديم السماء.. وتسمتر رحلتهم بين صعودٍ وهبوط، يندحقون بقلوبٍ باسمة نحو الطعاء كما اندحقت يوماً مياه فلج الغُمب على مساقيه لتروي في الأسفل النخل بطلعها النضيد.
 
 ويمضي الرفاق على مهلٍ وناظرهم تجاه النخل الباسقات، يرمقون تلكم الواحة القابعة في قيعان الوديان تحفها أحواض "وكان" بأعاجيب أهل الزمان والمكان، ويستمروا وتستمر أقدامهم في صعود لتصعد أفعالهم السامقة كسموق "جبل العوينة" العاتي على ناصية قلهات ببوشر مهد الامام الرضيّ قاضي القضاة سعيد بن خلفان الخليلي العالم الرباني.. وفي حين دهشة وتوهج من الأفئدة التي رمقت من خلال أبراج المشاهدة مناظر  الجمال وانسكاب المياه على أشجار النخيل وعناقيد الكروم  والمشمش.
 
وأردف المقيمي متأتئاً إلى حاملي الأكياس السوداء وملاقط المخلفات، إلى الأرواح والممتلكات، إلى الناس، إلى الأقدام القاطعة لهذا الطريق، إليكم أيها المارون بين الكلمات، إلى كل من تطأ قدميه هذه القرية المنعزلة الحالمة، إلى العابرون على وقع الدروب، سيروا على مهل وعانقوا بيوت الحيّ كلها، مروا على النخيل كلها، على البيوت الطينية كلها، على اصطفاف الحجارة فوق جدران القرويين، ولا تلوثوها بالقِمامة، لا ترموا قناني مياهكم ولا أغلفة أشياءكم العالقة في حقائب اليد، وفي جيوبكم، عمروها بأرواحكم الصادقة تجاه الأرض، تجاه الإنسان والمكان، تجاه الطبيعة وما تحويه، وفي نهاية الطرقات عبرنا مطلع القمة المطّلة على الجبل الأخضر في "سيق، وكأنها شرفة الأميرة الغجرية  سالمة إيميلي رويته في ضواحي زنجبار،  وكأنها شريان حياة يجري على دماء الشهداء عندما تطحن رحى الحرب، متأملين الهوّات  العظيمة على شفا جرف الصخر، متذكرين المدرج الروماني في وسط البلد بعمّان، وقبل أن نصل إلى الضفة الأخيرة في مسارنا، كانت الأقدام تجثو على مهلٍ لترى آخر اطلالة مسائية قُبيل أن يبدأ الليل ينخر أقدام المغامرين بين أنياب التعب، وفي نهاية المطاف من هنــا أرض الجمال والزمان يحرك المغامرين شفاههم وبصوتٍ واحد يهمسون بلواقطهم على رصغ حاوية القِمامة، حاملين أكياسهم السوداء في رحلة البحث عن السعادة في هذه القرية العجيبة على مدار الموسمين بين الصيف والشتاء.
 





 
24 مايو 2016م

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

حكايات من عينت والشطيفي؛ جولة في تخوم مطرح

من باحة سيدي أبو العباس المرسي إلى بيت ريا وسكينة

بين الشخوص والأمكنة، تجوال في أحياء بلدة بوشر